أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

طبيعة النظرية الأخلاقية عند ابن رشد



طبيعة النظرية الأخلاقية عند ابن رشد



مقدمة:

       يعتبر الفكر اليوناني من الوجه الفلسفية طريق البشرية كلها حتى يمكننا القول أنه لم يتجرأ أحد أن يتجاوز أفلاطون أو أرسطو خلال كل العصور القديمة والوسطى، ولذا كل من رام الدخول إلي دار الفلسفة كان عليه النظر والاطلاع علي الفلسفة اليونانية لاسيما فلسفة أفلاطون و أرسطو، حيث يعد هذا الأخير من أعظم الفلاسفة. والمعلوم أن أقرب فلاسفته إلينا ابن سينا، الفارابي، ابن الطفيل، ابن رشد ، وغيرهم من فلاسفة العرب و قد اخترنا أبعد أولئك الفلاسفة صيتا، وهو حكيم قرطبة وفيلسوف الأندلس أبو الوليد محمد بن احمد بن رشد القرطبي الذي اهتم الباحثون بمختلف جوانب فلسفته. وإن تعددت الأبحاث وتشعبت الدراسات، إلا أنهم قللوا من الاهتمام بمجال الأخلاق عنده عامة، ودراستها خاصة، وربما يعود ذلك إلي اعتقادهم الخاطئ بابن رشد في هذا الجانب على أنه لم يكن سوي مجرد ناقل للتراث الأرسطى، وعلي أحسن تقدير هو شارح فحسب، بل تجاوز الشرح والتفسير والتعليق واستطاع أن يكون له مذهبا خاص به، و ربما قد كان لديه القدرة علي أن يمحص أكثر الآراء بحسه النقدي، يأخذ منها ما يتفق مع البرهان واليقين، و يرفض منها ما لا يستقيم مع العقل والفكر المستنير، إذ يقول ابن رشد: "كان الذي حركنا إلي هذا أن كثير من الناس يتعاطون الرد علي مذهب أرسطو من غير أن يقفوا علي حقيقة مذهبه فيكون ذلك سببا لخفاء الوقوف علي ما فيها من حق أو ضده"[1].

       فقد توضح لنا أن ابن رشد عالج موضوعا مهما وهو الأخلاق باعتبار أن الإنسان يختلف عن الحيوان أي أن له القدرة علي التفكير والتمييز، وهو يسعي دائما إلي أفضل المراتب وأشرفها إذا أحسن التميز في اختياره، و لم يغلبه هواه في إتباع أعراضه، وهذا أولى ما اختاره الإنسان لنفسه، و لم يقف دون بلوغ غاية، و لم يرضي بالتقصير بتمامه، ومن تمام الإنسان أن يكون موشحا بمكارم الأخلاق ومحاسنها، و منزها عن مقابحها، أخذا في جميع الأحوال بقوانين الفضائل، عادلا في كل أفعاله عن طريق الرذائل، لا نجد مرحلة من مراحل الفكر الإنساني تخلو من التعرض للقضايا الأخلاقية. و يعد ابن رشد تلك الشخصية البارزة في الفكر الإسلامي، وهو فوق ذلك السياسي والفقيه الذي فجر بها مكان تواجده لكونها بيئة حاضنة علمه ومركزه الإشعاعي الحضاري، وتلك من ضمن العوامل التي هيأت عبقرية ابن رشد فضلا عن منهجيته في التوفيق بين الحكمة والشريعة.

       ولعل أهم المباحث التي اهتم ابن رشد المسالة الأخلاقية والتي درسها دراسة نظرية، ويتجلى هذا من خلال مؤلفاته التي اعتمدنا عليها في الدراسة، ففي هذه المؤلفات يعطي ابن رشد فلسفة خلقية أساسها النفس وقواها، و أن النفس الصحيحة تصدر عنها أخلاق صحيحة، والجسد الصحيح يصدر عنه عمل صحيح أيا كان أثر الأخلاق في حياة الأفراد.

خطة البحث :

يتكون هذا البحث من مقدمة ومبحثين وخاتمة:

المبحث الأول: الأخلاق عند ابن رشد

أولا: تعريف ابن رشد

ثانيا: تعريف الأخلاق عند ابن رشد

المبحث الثاني: تقييم طبيعة النظرية الأخلاقية لابن رشد

تأثير ابن رشد في الفكر العربي

تأثير ابن رشد في الفكر الغربي

خاتمة البحث وتتضمن أهم نتائج البحث والتوصيات

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الأول

الأخلاق عند ابن رشد

 

أولا: تعريف ابن رشد (520- 595ه/ 1126- 1198م)

       هو ابو الوليد محمد بن أحمد بن رشد، ولد في قرطبة (في الاندلس) في بيت اشتهر بالعلم والفقه: فكان جده من اشهر اهل زمانه تضلعاً في الفقه، وقد ولى منصب قاضي القضاة في الاندلس. وكان والده قاضي قرطبة.

       درس ابن رشد الشريعة على الطريقة الاشعرية، والفقه على المذهب المالكي. ثم درس الطب والرياضيات والحكمة. وفي عام 547ه/ 1153م دعاه عبد المؤمن، اول الملوك الموحدين، الى مراكش ليعاونه على انشاء معاهد العلم هناك. ثم اتصل بأبناء زهر، من مشاهير الاطباء. ووضع ابن رشد كتاباً في الطب اسماه «الكليات». وفي مراكش اتصل عن طريق ابن طفيل، بالخليفة ابي يعقوب يوسف عبد المؤمن، الذي كان ذا ثقافة واسعة ومحباً للعلم وأهله. وكان هذا الخليفة قد اظهر رغبة امام ابن طفيل، في ان تفسر كتب ارسطو وتلخص لدفع الشك الذي كان يحوم حولها. ولما كان ابن طفيل متقدماً في السن طلب من ابن رشد ان يقوم بهذه المهمة. فأكب على دراسة ارسطو بكل جهد، وكان له علم سابق بفلسفته.

وفي عام 564ه/ 1169م عينه الخليفة قاضياً في اشبيلية. فلخص ابن رشد في هذه السنة «كتاب الحيوان» لارسطو. وفي عام 566/ 1171م عينه ابو يعقوب قاضياً في قرطبة، وبقي في هذا المصب مدة تزيد على العشر سنوات، شرح فيها كتاب «مابعد الطبيعة»  لارسطو وعدة كتب اخرى. وفي عام 577ه/ 1182م استدعاه الخليفة الى مراكش وجعله طبيبه الخاص، ثم اعاده الى قرطبة بوظيفة قاضي القضاة.

       وبعد وفاة ابي يعقوب خلفه ابنه ابو يوسف الملقب بالمنصور (579ه/1184م) فلقي ابن رشد في بادئ الامر، مالقي على يدي والده من حظوة واكرام، واصبح في ذلك الزمان « سلطان العقول والافكار، لا رأي الا رأيه، ولا قول إلا قوله» الامر الذي اثار حسد الفقهاء والملتزمين وحقدهم الذين رموه بالكفر والزندقة. فتمكنوا من قلب الخليفة عليه. فنقم على ابن رشد واستجوبه فقهاء قرطبة وقضاتها، وقرروا ان تعاليمه كفر محض، ولعنوا من يقرأها، وقضوا على صاحبها بالنفي. فنفي الى قرية تدعى اليسانة، على مسافة نحو خمسين كيلومتراً الى الجنوب الشرقي من قرطبة. وامر الخليفة بحرق كتب ابن رشد وكتب الفلسفة، وحظر الاشتغال بالفلسفة والعلوم جملة، ما عدا الطب وعلم النجوم وعلم الحساب. وكانت المناقشة قوية بين الفلاسفة  وعلماء الدين، ولاسيما في الاندلس. وكان يظهر علماء الدين للشعب ان الفلاسفة كفار زنادقة. ولما كان الخليفة المنصور في حب من الفرنس التاسع، ملك قشتالة، كان بحاجة الى رضى الشعب ومؤازرته، لذلك اتخذ هذا الموقف العادائي من ابن رشد.

      ان نقمة الخليفة على ابن رشد كانت ارضاء لا خصامه، وذلك ان هذه النقمة اقتصرت على النفي دون الاعدام. وبعدما عاد الخليفة الى مراكش وتحرر من ضغط علماء الدين في الاندلس، عفا عن ابن رشد، واستقدمه اليه واعاده الى سالف نعمته. ولكن هذه النكبة كانت قد اثرت تأثيراً عميقاً في ابن رشد. فلم يعمر طويلاً بعد العفو عنه، اذ توفي، في مراكش، عام 595ه/ 1198م ( أي بضعة اشهر بعد العفو).

ونقلت رفاته الى قرطبة حيث توجد مدافن عائلته[2].

·       آثاره

       يذكر ابن ابي اصبيعة ان مؤلفات ابن رشد بلغت خمسين كتاباً، ولكن رينان يقول، معتمداً على مخطوط محفوظ في خزانة الاسكوريال، انها ثمانية وسبعون كتاباً ورسالة. المطبوع منها قليل، ولايزال القسم الاكبر منها مخطوطاً، ومنها ما ضاع اصله العربي ولم يصل الينا الا في ترجمة عبرية او لاتنية.

       وتنقسم هذه المؤلفات قسمين كبيرين:

1- شروحات لكتب الاقدمين، ولاسيما كتب ارسطو وأفلاطون والافروديسي، وبعض كتب فلاسفة الاسلام، مثل الفارابي وابن سينا والغزالي وابن باجه- واهمها شرح ما بعد الطبيعة، وشرح كتاب النفس، وتلخيص كل من كتاب الاخلاق، وكتاب السماع الطبيعي، وكتاب الكون والفساد، والبرهان- وكلها لارسطو.

2- كتب من تأليفه: «كتاب فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال»، «كتاب الكشف عن مناهج الادلة في عقائد الملة وتعريف ما وقع فيها بحسب التأويل من الشبه المزيفة والبدع المضلة» في علم الكلام، «تهافت التهافت» وهو نقض لكتاب الغزالي «تهافت الفلاسفة»[3].

 

ثانيا: تعريف الأخلاق عند ابن رشد :

       يعرف ابن رشد الأخلاق قائلا: " إن الخلق هو حال للنفس، به يفعل الإنسان أفعاله، والخلق قد يكون في بعض الناس طبعا وفي بعض الناس لا يكون إلا بالاجتهاد، وقد يوجد في بعضهم من غير تعمد كالشجاعة والحلم والعفة والعدل وغير ذلك من الأخلاق المحمودة، أما الأخلاق المذمومة، فإنها موجودة في كثير من الناس كالبخل والجبن و التشرر"[4].

       إذن يميز ابن رشد في هذا التعريف بين طريقتين في تمييز أخلاق الأفراد بالاكتساب و الفطرة ، كما انه يقسم كذلك الأخلاق إلى أخلاق محمودة و أخرى مذمومة، طبعت طابعا كبيرا و توسع انتشارها بين الناس، ويري أن سبب هذا الانتشار يعود إلى غياب الاستعمال الحقيقي للعقل، بالتمييز بين الأخلاق الخيرة و الأخلاق المذمومة.

       و على هذا الأساس يتضح لنا أن ابن رشد قد بني مفهوم الأخلاق على أسس أخلاق أرسطو طاليس، من خلال شروحه (علم الأخلاق إلى نيقوماخوس باعتبار أن أرسطو بني مفهومه الخلقي على أساس النفس

و قواها، والتي كانت لابن رشد المنطلق الفكري في مفهومه.

       و خلاصة القول نستنتج أن الأخلاق مرتبطة بسلوكيات الأفراد، وهي من العلوم المعيارية، غايتها ما يجب أن يكون عليه الفعل، والسلوك الأخلاقي صادر من النفس الإنسانية، وفق المصادر المختلفة للقيم الأخلاقية. حيث أن هذه الأخلاق قد تكون فطرية في الإنسان فهو يكتسبها من محيطه الخارجي فتكون بذلك الأخلاق عبارة عن اجتهاد الأفراد، فإذا نظرنا مثلا إلى طبيعتها لدى الأفراد فقد نجد أن هناك أخلاق مستحسنة و أخلاق

مستهجنة للإنسان، وهذا راجع إلى حضور العقل أو غيابه ومن هنا بسط ابن رشد آراءه الأخلاقية من شروحه لكتاب الأخلاق لنيقوماخوس لأرسطو ، وجوامع السياسة لأفلاطون التي بنى ابن رشد الأخلاق على أساس النفس وقواها.

مفهوم النفس:

       يعرف ابن رشد النفس فيقول: " ان النفس هي الصورة لجسم طبيعي آلي "وذلك أنه إذا كان كل جسم مركب من مادة و صورة، و كان الذي بهذه الصفة في الحيوان هو النفس و البدن، و كان ظاهراً من أمر النفس أنها ليست بمادة للجسم الطبيعي، فبين أنها صورة و لا الصورة الطبيعية هي كمالات أول للأجسام التي هي صور لها، فبالواجب ما قيل في حد النفس أنها استكمال أول الجسم طبيعي آلي، و إنما قيل أول تحفظاً من الاستكمالات الأخيرة التي هي في الأفعال و الانفعالات، فإن مثل هذه استكمالات تابعة للاستكمالات الأول، إذ كانت صادرة عنها إلا أن هذا الحد لما كان مما يظهر انه يقال بتشكيك على جميع قوى النفس، وذلك أن قولنا في الغاذية أنها استكمال غير معنى قولنا ذلك في الحساسة و المتخيلة، و أحرى ما قيل ذلك باشتراك على القوة الناطقة، و كذلك سائر أجزاء الحد لم تكن كفاية في تعرف جوهر كل جزء من أجزائها من هذا الحد على التمام، حتى نعرف ما هذا الاستكمال الموجود في النفس الغاذية و في واحدة واحدة منها و هذه النفس يظهر

بالحس من أفعالها أن أجناسها خمسة: أولها في التقديم بالزمان و هو التقدم الهيولاني و النفس النباتية ثم الحساسة، ثم المتخيلة، ثم الناطقة، ثم التروعية، وهي كاللاحق لهاتين القوتين، أعني المتخيلة و الحساسة، و أن الحساسة خمس قوى :قوة البصر، وقوة السمع، و قوة الشم، و قوة الذوق، و قوة اللمس، و سنبين بآخره أن عددها هذا العدد ضرورة، و أنه لا يمكن أن توجد قوة أخرى من قوى الحس غير هذه وليس هذه القوى يوجد لها التباين من جهة أفعالها فقط، بل و لأن بعضها قد يفارق بعضاً بالموضوع، و ذلك أن النباتية قد توجد في النبات دون الحساسة، و الحساسة من دون المتخيلة في كثير من الحيوان كالذباب و غيره، و أن كان ليس يوجد الأمر فيها بالعكس، أعني أن توجد الحساسة من دون الغاذية أو المتخيلة من دون الحساسة..[5]. و العلة في ذلك أن ما كان منها يجري مجرى الهيولي لبعض لم يكن في ذلك البعض أن يفارق هيولاه و أمكن في تلك القوة التي تترتل من تلك الأخيرة مرتلة الهيولي أن تفارق، لكن لا من جهة ما هي هيولي لشيء بل من جهة ما هي كمال و تمام للشيء الذي هي له تمام .

       فالنفس إذن عند ابن رشد صورة ملتحمة بالجسم الذي هو هيولي، و لا يمكن البتة أن تفارقه، ومن ثم فالعلاقة بين النفس و الجسد كالعلاقة بين الصورة والمادة، وفي هذا الصدد يقول ابن رشد: "هي التي تجري منا مجري الصورة لا مجري الهيولي(المادة)"[6]. فالنفس جوهر البدن، وهي بالنسبة إليه بمثابة المحرك له، وهي التي تتم البدن و تكمله لزرع الحياة فيه و هذا ما ذهب إليه من قبل المعلم الأول أرسطو طاليس حيث عرف النفس بأنها: "كمال أول لجسم طبيعي توجد فيه الحياة بالقوة"[7].  فالنفس إذن عند أرسطو شرف وكمال للبدن، فالبدن كجرم طبيعي (كمادة)  له الاستعداد للحياة، حياة بالقوة لا تخرج إلى الفعل إلا بتعقل النفس به، ومن ثمة  يمكن القول إن أرسطو طاليس اعتبر النفس المحرك الأول للجسم.

       ومن هنا يتبين لنا أن ابن رشد أخذ عن أرسطو تعريف النفس، التي بناها على إحدى نظرياته في الطبيعة ونعني بها نظريته الخاصة بالتفرق بين المادة والصورة، فالمادة ليست في الحقيقة إلا أمرا نسبيا إذ هي الشيء الذي يمكن أن ينقلب فيصير شيئا آخر، أما الصورة لديه إذ هي التي تخلع على المادة كيان خاصا أي هي التي تجعلها ذات محدودة الأوضاع المتميزة عن غيرها، لكن ابن رشد لم يكن أرسطوطاليسيا بأتم الكلمة، فقد فسر أرسطو

على نحو يقربه إلى حد كبير من أراء المفكرين المسلمين في طبيعة النفس، وسلك مسلك سابقيه كابن سينا والغزالي، فرأى أنه يجب التفريق والتمييز بين نفوس ثلاث هي: النفس النباتية والنفس الحيوانية والنفس الإنسانية، باعتبار أن النفس النباتية و النفس الحيوانية ليستا مفارقتين للبدن، بمعني منطبعتان فيه و لا يمكن أن تنفصلا عنه بحال ما، لأنهما توجدان بوجود النبات أو الحيوان، وتفنيان بفنائهما، أما النفس الإنسانية فهي من الجنس آخر[8]. أي أن ابن رشد لم يتبع أرسطو حذو النعل بالنعل، بل كان له تفكيره الخاص الذي يحتمه داعي الدين والبيئة، ورأى أن النفس النباتية والنفس الحيوانية تختلفان أتم الاختلاف عن النفس الإنسانية، باعتبارهما تفنيان بفناء الجسد، عكس النفس الإنسانية التي لها شأن آخر، باعتبار أنها ذات روحية و استكمال للبدن ومن ثم نرى أن ابن رشد كان يميل إلى تفسير مذهب أرسطو في النفس على النحو يتفق مع القول بروحانيتها.

       و لاشك في أن النسب الذي دعي ابن رشد إلي سلك مسلك سابقيه، و إلى تفسير أرسطو علي هذا النحو الخاص. إنه تنبيه إلي ما يجره تعريف هذا الأخير من صعوبات ليس من السهل حلها، لأنها لا تتفق مع الروح الإسلام وعقائد، لأنه واضح إن فساد البدن يصحبه فساد النفس أي فناؤها.  وهذا يتفق أتم الاتفاق مع مذهب أرسطو[9]. فالعلة التي دفعت ابن رشد إلى سلك مسلك سابقيه و إلى تفسير أرسطو على هذا النحو، هو كون مسألة النفس من أعقد مسائل و الكلام فيها غامض، و لا يستطيع الخوض فيها إلا العلماء الذين أوتوا حظا كبيرا من المعرفة، وفي هذا الصدد قوله تعالى ﴿يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا [10]. أي يسألونك يا محمد الكفار عن الروح ما هي؟ وما حقيقتها؟ فقل لهم أنها من الأسرار الخفية التي لا يعلمها إلا رب البرية، ما أوتيتم أيها الناس من العلم إلا شيئا قليلا لأن علمكم قليل بالنظر إلى علم لله[11]. فمما سبق نستنتج أن النفس عند ابن رشد هي التي تتم البدن وتكلمه، وبالتالي يكون ابن رشد قد ركز وعمق فكرة الوحدة بين النفس والجسد بصورة إطلاقية و جعل إنفعالاتها من إنفعالات البدن وحدوثها بحدوثه

 و فنائها بفنائه.

       أما النفس الإنسانية هي من الجنس الأخر، فإنها جوهر مستقل، وهي في الوقت نفسه صورة للبدن التي حلت فيه حكمة إلهية، وهي روحية غري جسمية. ومع هذا ما يري ابن رشد، أن من العسير قيام البرهان عند الجمهور علي موجود قائم بذاته ليس لجسم أنه يري أنه الكلام في أمر النفس غامض جدا اختص به لله ،واخص به من الناس العلماء الراسخون في العلم .

       يقول ابن رشد بوحدة النفس الإنسانية ، وأنه يدعم رأيه حين يقول أنه لهذه النفس وظائف عديدة ، كما أنه يؤمن بخلود النفس وأنه يقول أن النفس غير قانية ، كما دلت عليه الدلائل والشرع[12].

·       قوي النفس:

       يقسم ابن رشد قوى النفس إلى خمسة قوى وهي: النباتية (أو الغاذية)  و الحساسة والمتخيلة و النزوعية

و الناطقة.

 -1 القوة الغاذية:

       يدرج ابن رشد القوة الغاذية في عداد القوى الفاعلة، لأنها تحرك ما هو غذاء بالقوة، و تخرجه من حال القوة إلى حال الفعل، أي تجعله غذاء بالفعل، والآلة التي تستعين بها هذه القوة على تحقيق فعلها هي الحرارة الغريزية، والدافع الذي وجدت من أجله هذه القوة في النبات و الحيوان هو حفظ البقاء.

       وهذا يعني إن الغاذي هو الذي يفعل في الغذاء أو به أو عنه فعلا ما، وهي توجد في الحيوان و النبات من أجل بقائها، ذلك أن أجساد المتنفسات أو الحيوان و النبات لطيفة متخلخلة سريعة التحلل.

       هنا بمعنى تشكيك فالقوة الغاذية هي ضرب من التشكيك على الملكات و الصور حين ليس تفعل كما يقال في النار أنها محرقة بالقوة إذا لم المادة الملائمة للإحراق، و على القوى المنفعلة كما يقال في الخبر أنه دم بالقوة، و في الدم أنه لحم بالقوة، و ذلك إذا لم يحضر المحرك، و ظاهر أن هذه القوة الغاذية من جنس القوى الفاعلة، و ذلك أن الغذاء لما كان صنفين: أحدهما الذي بالفعل و ذلك إذا إستحال إلى جوهر المتغذي .و الثاني الذي بالقوة، و ذلك قبل أن يستحيل إلى جوهر المغتذي، و الذي بالقوة كما قيل في غير ما موضع إنما يصير إلى الاستكمال من قبل المحرك الذي بالفعل. إلا أن القوة أيضا لما كانت صنفين قريبة و بعيدة و القوة البعيدة في الغذاء المحرك لها ضرورة غير النفس الغاذية، كالقوة التي في الأسطقسات أن يكون لحماً. و أما القوة القريبة مثل ما نقول في الخبز انه غذاء بالقوة فالمحرك لها هي النفس الغاذية و لذلك هي ضرورة قوة فاعلة.  و قد قيل كيف يكون الفعل و الإنفعال على العموم في هذه الحركة، و في غيرها من الحركات في الأولى من الكون و الفساد،

 و قيل هناك أن المنفعل يلزم أن يكون من جهة شبيهاً و من جهة ضداً فأما أن الانفعال الموجود في الغذاء هو في الجوهر فذلك بين بنفسه[13].

       و أما أن هذه القوة الغاذية نفس فذلك بين من أنها صورة لجسم آلي، و هي بالجملة إثما تفعل مما هو جزء عضو آلي بالقوة جزء عضو آلي بالفعل، و بين أن مثل هذا التحريك و الفعل ليس منسوباً إلى النار .فأما الآلة التي بها تفعل هذه القوة الاغتذاء فهي الحرارة ضرورة، و ليس أي حرارة إتفقت بل حرارة ملائمة لهذا الفعل،

و هي المسماة الحرارة الغريزية، و ذلك أن هذه النفس إنما تفعل كما يظهر من أمرها جزء عضو من أعضاء

المتغذي و الأعضاء مركبة من الأسطقسات، والمركب من الأسطقسات إنما يصير واحداً على ما تبين بالمزاج،

و المزاج إنما يكون بالحرارة كما قيل في الآثار العلوية، فإذن الحرارة هي الآلة الملائمة لهذا الفعل، و ليس هذه الحرارة هي النفس كما ظن جالينوس و غيره. فإن فعل الحرارة ليس بمرتب و لا محدود و لا تفعل نحو غاية مقصودة كما يظهر ذلك من أفعال النفس، و لا يصح أن ينسب الترتيب إلى الحرارة إلا بالعرض على ما كان يرى كثير من القدماء. و هذه الحرارة هي الموضوع القريب الأول لهذه النفس التي تتترب منها مترهلة الهيولي،

و ذلك شيء بالواجب عرض لكل محرك ليس بجسم و هو في جسم إذا حرك جسماً آخر، أعني انه إنما يكون تحريكه له من جهة ما هو موجود في جسم هو صورة فيه، و إلا لم يمكن فيه أن يحرك الجسم الآخر كالحال في النفس الغاذية، و الغذاء في النفس المحركة لجسم الحيوان في المكان على ما سيظهر بعد .فأما السبب الغائي الذي من أجله وجدت هذه القوة في الحيوان و في النبات فهو الحفظ .و ذلك أن أجساد المتنفسات لطيفة متخلخلة سريعة التحلل، فلو لم تكن فيها قوة شأنها أن يخلف بدل ما تحلل منها أمكن في المتنفس أن يبقى زماناً له طول ما، و إذا كان هذا كله من أمر هذه القوة كما و صفنا فإذن هذه القوة هي التي من شأنها أن تصير بالحار الغريزي، مما هو جزء عضو بالقوة جزء عضو بالفعل، لتحفظ بذلك على المتنفس بقاءه و لذلك كان إخلال فعل هذه القوة موت.

       و يلحق بهذه القوة قوة أخرى هي القوة النامية، التي تختلف عنها في علتها الغاذية وهي التنمية أو النمو

لا البقاء، ويلحق بالقوة المنمية قوة أخرى هي المولد، وقد جعلت هذه القوة في الحيوان لتكون لهذه الموجودات حظ من البقاء الأزلي[14].

       وهاهنا قوة أخرى منسوبة إلى النبات هي كالكمال والصورة للقوة الغاذية، إذ كانت لا يمكن أن توجد خلوا من الغاذية، و يمكن أن توجد الغاذية خلوا منها و هي القوة النامية، و هذه القوة هي القوة التي من شأنها عندما تولد الغاذية من الغذاء أكثر مما تحلل من الجسم أن تنمي الأعضاء في جميع أجزائها و أقطارها على نسبة واحدة، و هو بين أن هذه القوة مغايرة بالماهية للغاذية .فإن فعل التنمية غير فعلِ الحفظ، فإن هذه القوة قوة فاعلة، فبين مما رسمناها به كذلك أيضاً كونها نفساً. أي أن هذه القوى جميعا تساهم في بناء الجسد، بغية إكمال نموه والحفاظ عليه، لممارسة وظائفه الأخرى التي تكون وفق قوى أخرى.

-2 القوة الحساسة:

       ونسبة هذه القوة إلى القوة الغاذية كنسبة الصورة إلى موضوعها، و هي لا توجد ألا في الحيوان، عكس القوة الغاذية المشتركة بين الحيوان والنبات، ومن خصائص هذه القوة أنها توجد تارة بالقوة وتارة أخرى بالفعل،

و الآلات الجسمانية التي تساعدها على القيام بفعلها هي الحواس الخمس[15]. و هذه القوة بين من أمرها أنها قوة منفعلة، إذ كانت توجد مرة بالقوة و مرة بالفعل، و هذه القوة منها قريبة و منها بعيدة و البعيدة كالقوة التي

في الجنين على أن يحس، و القريبة كقوة النائم و المغمض عينه على أن يحس، و بين مما تقدم أن ما بالقوة من جهة ما هو بالقوة منسوب إلى الهيولي، و أن خروج القوة إلى الفعل تغير أو تابع لتغير، و أن كل متغير فله مغير

و محرك يعطي المتحرك شبيه ما في جوهره . و إذا كان ذلك كذلك فينبغي أن نتعرف من أمر هذه القوة أي وجود وجودها و ما المحرك لها و على أي جهة تقبل التحريك.

       فنقول أما القوة البعيدة و هي التي تكون في الجنين فقد تبين أي وجود وجودها في كتاب الحيوان، و المحرك لها هو ضرورة غير المحرك للقوة القريبة، إذ كان هذا تكون القوتان اثنين، و قد تبين وجود هذا المحرك في كتاب الحيوان، و القوة البعيدة في الغذاء المحرك لها ضرورة غير النفس الغاذية.

       و أما المحرك للقوة القريبة فبين من أمره أنه المحسوسات بالفعل، و الذي ينبغي هاهنا أن نطلب أي وجود وجود هذه القوة وعلى أي جهة تقبل التحريك عن المحسوسات .فنقول إنه من البين مما تقدم أن القوة تقال على ثلاثة أضرب:  أولاها بالتقديم و التحقيق القوة المنسوبة إلى الهيولي الأولى، إذ كانت الهيولي الأولى إنما الوجود لها من جهة ما هي قوة محضة .و لذلك لم يمكن في مثل هذه القوة أن تفارق بالجنس الصورة التي هي قوية أولاً

عليها بل متى تعرت عن الصورة التي فيها تلبست بصورة أخرى من جنسها، كالحال في الماء و النار.

       و بالجملة في الأجسام البسائط، ثم من بعد هذه القوة الموجودة في صور هذه الأجسام البسيطة على صور الأجسام المتشابهة الأجزاء، و هذه القوة هي متأخرة عن تلك، إذ كان يمكن فيها أن تفارق صورة الشيء الذي هي قوية عليه بالجنس، وهي أيضاً حين تقبل الكمال و الفعل ليس تخلع صورها كل الخلع، كالحال في القوة الموجودة في الأجسام البسيطة، و لذلك لسنا نقول أن صور  الأسطقسات موجودة بالقوة في الجسم المتشابه الأجزاء على جهة ما نقول أن الماء بالقوة هواء أو نار بل بنحو متوسط على ما تبين في كتاب الكون و الفساد. فكأن هذه القوة الثانية شأنها فعل ما، إذ كان السبب في وجودها القوة الأولى مقترنة بالصورة البسيطة لا القوة وحدها.

       ثم تتلو هذه في المرتبة القوة الموجودة في بعض الأجسام المتشابهة الأجزاء كالقوة التي في الحرارة الغريزية مثلاً أو ما يناسبها الموضوعة في النبات و الحيوان للنفس الغاذية. و تفارق هذه القوة، القوة التي في صور الأسطقسات على الأجسام المتشابهة الأجزاء أن هذه إذا قبلت ما بالفعل لم يتغير الموضوع لها ضرباً من التغير لا قليلاً و لا كثيراً، ولذلك كان فساد هذه ليس إلى الضد بل إلى العدم فقط، فكأن هذه القوة قد شابهت الفعل أكثر من تلك، و لذلك ما قبل أن معطي الصورة المزاجية التي بها شأن موضوعها أن تقبل هذا الكمال أحد الأمرين :إما نفس في المتناسل من ذوات النفوس. و إما حرارة الكواكب في غير المتناسل لكن هذه القوة إذا وجدت على كمالها في النبات فليس يوجد فيها استعداد لقبول صورة أخرى.

       و إما إذا وجدت في الحيوان فإنه يلفي فيها استعداداً لقبول صورة أخرى وهي الصورة المحسوسة، و إنما عرض لها ذلك من جهة اختلاف استعداد موضوعها في النبات والحيوان، إلا من جهة ما هي قوة غاذية.  و هذا الاستعداد الذي يوجد في القوة الغاذية لقبول المحسوسات الذي هو الكمال الأول للحس ليس الموضوع القريب له شيئاً غير النفس الغاذية، و هذه القوة و هذا الاستعداد كأنه شيء ما بالفعل إلا أنه ليس على كماله الأخير،

فإن الحيوان النائم قد يرى أنه ذو نفس حساسة بالفعل.

       فنقول أن الأمور المحسوسة منها قريبة، و منها بعيدة، و القريبة معدودة فيها بالذات، و البعيدة معدودة فيها بالعرض، والذي بالذات منها ما هي خاصة بحاسة حاسة و منها مشتركة لأكثر من حاسة واحدة، فالخاصة هي مثل الألوان للبصر، والأصوات للسمع و الطعوم للذوق، و الرائحة للشم، و الحرارة و البرودة للمس، و أما المشتركة لأكثر من خاصة واحدة فالحركة و السكون والعدد والشكل و المقدار.

       فالقوة الحساسة إذن هي عبارة عن أدوات الإدراك الحسي المتمثلة خاصة في الحواس الخمس، وهي تلعب دورا هاما في معرفة العالم الخارجي بغية السيطرة و التعرف عليه. ونذكر منها قوة البصر:  و هذه القوة هي التي من شأنها أن تقبل معاني الألوان مجردة عن الهيولي من جهة ما هي معان شخصية، و ذلك بين مما تقدم إذ كانت تدرك المتضادين معاً كما قلنا .كما توجد قوة ثانية وهي قوة السمع :و هذه القوة هي القوة التي شأنها أن تستكمل معاني الآثار الحادثة في الهواء من مقارعة الأجسام بعضها بعضاً المسماة أصواتا،ً و هذا كله بين مما تقدم. فإما بأي شيء يكون هذا الإدراك و عما يكون و النحو الذي به يكون فنحن نقول فيه .أما القوة الثالثة فهي قوة الشم:  و هذه القوة هي القوة التي من شأنها أن تقبل معاني الأمور المشمومة و هي الروائح، و ليست فصول الروائح عندنا بينة كفصول الطعوم، وإنما نكاد أن نسميها من فصول الطعوم حتى نقول رائحة حلوة

و رائحة طيبة، و لشبه أن تكون هذه الحاسة فينا اضعف منها في كثير من الحيوان كالنسر و النحل و ما أشبههما من الحيوان القوي الشم . والقوة الرابعة هي قوة الذوق:  و هذه القوة هي تدرك بها معاني الطعوم و قد تلخص قبل ماهي الطعوم، و هذه القوة كأنها لمس ما إذ كانت إنما تدرك محسوسها بوضعه على آلة الحاسة.

و لذلك ما يرى الاسكندر أن هذه القوة ليست تحتاج إلى متوسط على ما سيظهر من أمر اللمس، إلا أنا نجد هذه القوة التي آلتها اللسان إنما تدرك الطعوم بتوسط الرطوبة التي في الفم و بخاصة الأشياء اليابسة، و ذلك انه يعرض لمن عدم هذه الرطوبة ألا يدرك الطعوم، و أن أدركها فبعسر و كذلك يعرض لمن فسدت هذه الرطوبة في فمه بانحرافها نحو مزاج ما أن يجد الطعوم كلها على غير كنهها .

فالقوة الخامسة قوة اللمس:  و هذه القوة هي القوة التي من شأنها أن تستكمل بمعاني الأمور الملموسة، والملموسات كما قيل في كتاب الكون و الفساد إما أول و هي الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة، و إما ثوان و هي المتولدة عن هذه كالصلابة و اللين، و هذه القوة لما كانت إنما تدرك هذه الملموسات على نحو ترتيبها في وجودها فهي تدرك الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة أولاً و بالذات، و تدرك الكيفيات الأخر المتولدة عن هذه بتوسط هذه، و لهذه العلة بعينها لزم من تكون هذه القوة تدرك أكثر من تضاد واحد بخلاف ما عليه الأمر في البصر و السمع .و ذلك أنه لما كانت إنما تدرك هذه الملموسة على نحو كنهها في وجودها و كانت كل واحدة من هذه الكيفيات تقترن به كيفية أخرى كالحرارة التي تقترن بها اليبوسة و الرطوبة كان إدراكها لهذه القوى معاً.

القوة المتخلية:

       وهي التي تلي قوى الحس المشترك وهي متباينة لقوة الحس، من حيث أنها تدرك المحسوسات بعد غيبتها

 و مباينة لقوة الظن، من حيث أن الظن مصحوب بالتصديق و لا تقترن بالتخيل ضرورة، إذ قد نتخيل أشياء لم يتبين لنا صدقها أو كذبها، وهي كذلك مباينة لقوة العقل[16].  في تهافت التهافت يقول "أن المتخيلة في الحيوان هي التي تقضي على أن الذئب من الشاة عدو وعلى السخلة أنها صدي و إنما كان يمكن ما قاله ابن سينا لو لم تكن القوة المتخيلة دراكة، فلا معنى لزيادة قوة غير المتخيلة في الحيوان (يعني الوهمية)[17]. 

فالمتخيلة إذن هي التي تحفظ رسوم المحسوسات بعد غيبتها عن مباشرة الحواس لها فتركب بعضها إلى بعض تركيبات مختلفة، و تفصل بعضها عن بعض تفصيلات كثيرة مختلفة، متصلة بالمادة، بينما موضوع العقل الصور الكلية المجردة عن المادة.

       وهذه القوة ينبغي أِن نفحص من أمرها هاهنا عن أشياء أولها عن وجودها، فإن قوماً ظنوا أنها القوة الحسية بعينها، وقوماً ظنوا بها أنها قوة الظن، وقوم رأوا أنها مركبة منهما، ثم هل هي من القوة التي توجد تارة قوة وتارة فعلا،ً  وأن كان الأمر كذلك فهي ذات هيولي، فما هي هذه الهيولي وأي مرتبة مرتبتها، وما الموضوع لهذا الاستعداد والقوة، وأيضا فما المحرك لها والمخرج من القوة إلى الفعل.

       فنقول أما أن هذه القوة مغايرة للقوة الحسية فذلك يظهر عن قرب، وذلك أنهما وأن اتفقتا في أنهما يدركان المحسوس فهما يختلفان في أن هذه القوة تحكم على المحسوسات بعد غيبتها، ولذلك كانت أتم فعلا عند سكون فعل الحواس كالحال في النوم، وأما في حال الإحساس فإن هذه القوة يكاد أن لا يظهر لها وجود، وأن ظهر فيعسر ما يفترق من الحس، ومن هذه الجهة نظن أن هذه القوة ليست توجد لكثير من الحيوان كالدود والذباب وذوات الأصداف، وذلك إنا نرى هذا الصنف من الحيوان لا يتحرك إلا بحضور المحسوسات، ويشبه أن يكون هذا الصنف، إما أن لا يوجد له تخيلاً أصلاً وأن وجد فغير مفارق للمحسوس، والفحص عن هذا يكون عند النظر في القوة المحركة للحيوان في المكان.

       وقد تفارق أيضاً هذه القوة قوة الحس، فإن كثيراً  ما نكذب بهذه القوة ونصدق بقوة الحس، ولا سيما في محسوسا بها الخاصة ولذلك ما تسمى المحسوسات الكاذبة تخيلا .

وقد يكون تخيل من غير تصديق مثل تخيلنا أشياء لم نعلم بعد صدقها من كذبها وإذا لم تكن هذه القوة ولا واحد من هاتين القوتين، أعني قوة الحس والظن فليس يمكن فيها أن تكون مركبة منهما كما رأى ذلك بعضهم، لأن المركب من الشيء إذا لم يكن على جهة الاختلاط يلزم فيه ضرورة أن، تحفظ خواص ما تركب منه.  ومن خصائص هذه القوة أنها هيولانية وحادثة شيمة الحس الذي تنبثق إدراكاتها منه، وبين القوة المتخيلة والحس صلة وثيقة كائنة فاسدة[18]. معنى هذا التخيل لا يوجد منفصلا عن الحس في الإنسان، في حين أن الحس قد يوجد منفصلا عنه في الحيوان، وهي كائنة فاسدة لأنها توجد أولا بالقوة ثم توجد بالفعل، وهي حادثة لأنها تستكمل بالآثار المجتمعة بالحس المشترك.

 

 

القوة النزوعية:

       وهي القوة التي ينزع بها الحيوان إلى النافع وينفر من الضار، فإذا كان نزوعه إلى الملاذ سمي شوقا، وإذا كان إلى الانتقام سمي غضبا، وإذا كان مصحوبا بالروية و الفكر سمي اختيارا و إرادة [19]. وهذه القوة بين من أمرها أنها غير القوى التي سلفت وأنها مباينة بوجودها لتلك، وذلك أنا لسنا نقدر أن نقول إنها القوة الحساسة والمتخيلة، لأن كل واحدة من هاتين القوتين قد توجد خلوا من هذه وذلك أنا قد نحس ونتخيل من غير أن نترع، وإن كان ليس يمكن أن نترع دون هاتين القوتين، أعني قوة التخيل والحس .ولذلك ما نرى أنها متقدمة لهذه القوة، أعني النزوعية التقدم الذي بالطبع، ولهذا السبب عينه عدم إنبات هذه القوة لما عدم الحس والتخيل ليس هاتان القوتان تتقدم هذه القوة فقط، أعني النزوعية، بل قد توجد القوة الناطقة أيضا متقدمة لها في المعارف النظرية، وذلك أنا قد نترع عن التصور الذي يكون بالعقل وقد نترع أيضاً عن الصورة المتخيلة، بالفكر والروية، وذلك في الأمور العملية .وإذا كان هذا هكذا وكانت هاتان القوتان، أعني قوة الحس والتخيل متقدمة لهذه القوه فلا يخول الأمر في ذلك من أحد شيئين، أما أن تهون هاتان القوتان موضوعة لهذه القوة، أعني قوة النزوع على جهة، فالنزوع ليس شيئاً أكثر من تشوق حضور الصور المحسوسة من جهة ما نتخيلها، فالملازمة بين هاتين القوتين من الفعل والقبول تحرك الحيوان ضرورة إلى أن تحصل تلك الصورة المتخيلة محسوسة بالفعل ما الهيولي موضوعة للصور، أو يكون الموضوع لها واحدا ويكون وجود قوة النزوع في ذلك الموضوع تابعاً لوجود قوة التخيل أو الحس على جهة ما تتبع اللواحق الأشياء التي هي لها لواحق .هذا إن كان يوجد نزوع دون تخيل بل عن الحس فقط على ما يظهر ذلك في الحيوان غير المتخيل كالذباب والدود .وأما إن كان لا يوجد نزوع دون تخيل ما فالمتقدم بالطبع لهذه القوة إنما هو قوة التخيل فقط، والفحص حينئذ إنما يكون فقط عن نسبة هذه القوة إلى قوة التخيل، هل ذلك نسبة اللاحق أو نسبة الاستكمال. فنقول أيضا هذه القوة هي القوة التي بها نزع الحيوان إلى الملائم وينفر عن المؤذي، وذلك من أمرها بين بنفسه، وهذا النزوع أن كان إلى الملذ سمي شوقا،ً وإن كان إلى الانتقام سمي غضبا،ً وإن كان عن رؤية سمي اختياراً  وإرادة.

       يعني هذا القوة النزوعية هي التي يكون بها نزوع الحيوان إلى الشيء، و بها يكون الشوق إلى الشيء، والكراهية له و الطلب والإيثار والغضب والرضي و الخوف و الإرادة والإقدام و المحبة و البغض، وسائر عوارض النفس، ومن ثمة يمكن القول إن الغضب و الإرادة أقسام القوة النزوعية. وللقوة النزوعية صلة وثيقة بالتخيل، وهي كذلك متصلة بقوة العقل[20]. ويعني هذا إن القوة النزوعية متصلة بالتخيل إن الحيوان إذا تخيل معنا ما في المحسوس تشوقه أو نفر منه، ومتصلة بالعقل لأن الإنسان إذا تصور بعقله أمرا ملائما بتشوقه و إذا تصور أمرا غير ملائم ينفر منه.

 

-5 القوة الناطقة:

       يبرهن ابن رشد على وجود القوة الناطقة بتأمل أنواع الإدراك، والإدراك ينقسم عنده إلى قسمين: الإدراك الشخصي و الإدراك الكلي، فالإدراك الشخصي أو (الجزئي) هو إدراك المعنى في هيولي، كإدراك الحس أو الخيال أما الإدراك الكلي فهو إدراك المعنى مجردا من الهيولى، وتسمى القوة التي تدرك الكليات بقوة النطق أو العقل[21] .

فابن رشد يثبت القوة الناطقة عن طريق النظر في الإدراك الكلي و الجزئي، فالقوة الناطقة هي التي يعقل بها الإنسان.إذن لما كان العلم بالشيء كما قيل في غير ما موضع إنما يحصل على التمام بأن يتقدم أولا فيعلم وجود الشيء إن لم يكن بيناً بنفسه ثم يطلب تفهم جوهره وماهيته بالأشياء التي بها قوامه، ثم يطلب بعد ذلك معرفة الأمور التي قوامها بذلك الشيء، وهي اللواحق الذاتية له والأعراض، فقد ينبغي أن نفحص من هذه الأشياء بأعيانها في هذه القوة، فنبتدئ أولاً فنرشد إلى الجهة التي توقع اليقين بوجود هذه القوة و مبينتها لسائر القوى

التي تقدمت، ثم نفحص من أمرها هل هي تارة قوة؟ وتارة فعل؟ أم هي فعل دائما على ما يرى كثير من الناس، وأنها إنما تتعطل أفعالها في الصبي لأنها مغمورة بالرطوبة أم بعضها قوة وبعضها فعل .فإن هذا اسم شيء يفحص عنه من أمرها وهو المعنى الذي فيه اختلف القدماء كثير اً.

       وقوة النظر غير موجودة في الحيوان، أما الإنسان فهو محتاج إلى هذه القوة، لأنها تدرك المعاني إدراكا كليا خلافا لكل من الحس والخيال اللذان يدركان المعاني إدراكا جزئيا، من حيث هي متصلة بالهيولي (المادة)، بينما تدرك القوة الناطقة هذه المعاني مجردة عن المادة[22].  فنقول إنه من البين مما قيل في مواضع كثيرة أن المعاني المدركة

صنفان: إما كلي، وإما شخصي .وأن هذين المعنيينِ في غاية التباين، وذلك أن الكلي هو إدراك المعنى العام مجرداً من الهيولى وإدراك الشخص هو إدراك المعنى في الهيولى. وإذا كان ذلك كذلك فالقوة التي تدرك هذين المعنيين هي ضرورة متباينة، وقد تبين فيما تقدم أن الحس والتخيل إنما يدركان المعاني في الهيولى، وأن لم يقبلاها قبولاً هيولانياً على ما تقدم، و لذلك لسنا نقدر أن نتخيل اللون مجرداً عن العظم والشكل فضلاً عن أن نحسه، وبالجملة لسنا نقدر أن نتخيل المحسوسات مجردة من الهيولى، وإنما ندركها في هيولى وهي الجهة التي بها تشخصت، وإدراك المعنى الكلي والماهية بخلاف ذلك .فإنا نجرده بالهيولى تجريد اً وأكثر ما تبين ذلك في الأمور البعيدة من الهيولى كالخط والنقطة، فهذه القوة إذن التي من شأنها أن تدرك المعنى مجرد اً عن الهيولى هي ضرورة قوة أخرى غير القوة التي تقدمت وبين أن فعل هذه القوة ليس هو أن تدرك المعنى مجرد اً من الهيولى فقط، بل وأن تركب بعضها إلى بعض وتحكم لبعض على بعض .والفعل الأول من أفعال هذه القوة يسمى تصوراً والثاني  تصديقاً.  وهو من الظاهر هاهنا أن بالواجب أن قسمت ترى النفس هذا الانقسام لانقسام المعاني المدركة، وأنه ليس يمكن أن توجد هاهنا قوة أخرى للحيوان نافعة في وجوده غير هذه القوى .وذلك أنه لما كانت سلامته إنما هي أن يتحرك عن المحسوسات. فالمحسوسات إما حاضرة وإما غائبة، فبالواجب ما جعلت له قوة الحس وقوة التخيل. إذ كان ليس هاهنا جهة ما في المحسوس يحتاج الحيوان إلى إدراكه غير هذين المعنيين، ولذلك لم تكن هاهنا قوة أخرى تدرك المعنى المحسوس غير هاتين القوتين أو ما يحدث منهما. فالقوة الناطقة إذن خاصة بالإنسان فقط، و بها يقتني العلوم و الصناعات، فتميز بين الحسن و القبيح من الأفعال، فالقوة الناطقة قد جعلت في الإنسان من أجل وجوده الأفضل، أما الحيوان فليس بحاجة إلى هذه القوة إذ يتحرك من المحسوس إلى المحسوس.

       ويقسم ابن رشد القوة الناطقة إلى قسمين: قوة نظرية وقوة عملية أو بتعبير أخر عقل نظري و عقل عملي.

أ- العقل النظري:

       وهو القوة النظرية و يظهر من أمره أنه إله، و أنه أنما يوجد في بعض الناس وهم المقصودون بالعناية في هذا النوع[23] . فالعقل النظري هو الذي به يعلم الإنسان الموجودات التي ليس شأنها أن نعملها نحن كما يمكننا، ونغيرها من حال إلى حال، مثل إن الخمسة عدد فردي فإنه لا يمكننا أن نغير الخمسة حتى تصير زوجا و هي باقية خمسة. فإن العقل النظري يتكفل بإدراك المعقولات المجردة. ومن خواص القوة النظرية أنها تدرك المعقولات من حيث هي معقولات، و لمعرفة هذه القوة لابد من تبيان الصفات التي تتميز بها المعقولات و المتمثلة فيما يلي: أن المعقول منها ما هو الموجود، أي ان معقوليتها و وجودها شيء واحد، بخلاف الصور الهيولانية، فإن الموجود منها غير المعقول. أما أن هذه المعقولات العملية، سواء كانت معقولات قوى أو مهن حادثة وموجودة فينا أولا بالقوة وثانيا بالفعل، فذلك من أمرها بين، فإنه يظهر عند التأمل أن جل المعقولات .الحاصلة منها إنما تحصل بالتجربة والتجربة إنما تكون بالإحساس أولاً والتخيل ثانياً وإذا كان ذلك كذلك فهذه المعقولات إذن مضطرة في وجودها إلى الحس والتخيل فهي ضرورة حادثة بحدوثها وفاسدة بفساد التخيل.أن إدراكها غير متناهي، لأنها تصدق على كثرة غير متناهية، بخلاف الصور الهيولانية التي لا تصدق إلا على المتناهي. أن الإدراك فيها هو المدرك و العاقل هو المعقول. أن الإدراك فيها ليس انفعالا.  أنها تزداد قوة في تقدم السن بخلاف سائر القوى النفسية[24]. و يعني هذا إن المعقولات تمتاز عن المعاني الشخصية لأن وجودها المعقول هو نفس وجودها، و إن إدراكها غير متناهي، لأنه تجريد للصور من كثرة محدودة، وان العقل يعقل ذاته مع الشيخوخة بخلاف سائر القوى النفسية كالبصر والسمع، وأكثر هذه الأحوال الخاصة بالمعقولات إذا تؤملت ظهر أن السبب في وجودها كون المعقولات عامة النسبة الشخصية التي توجد لسائر قوى النفس

ب- العقل العملي :

       وهو القوة التي تدرك المعاني أو المعقولات التي تحصل فيها بالتجربة، فكانت مفتقرة الى الحس و التخيل في وجودها و لا سيما التخيل، فكمال هذه القوة وفعلها متصلان بقيام صور خيالية فيها، وهذه الصور ليست خاصة بالإنسان فقط، إنما هي مشتركة بينه وبين بعض الحيوانات. و مما تتميز به القوة العملية للإنسان أنها تدرك الصور الخيالية التي تنشأ عنها الأفعال الإرادية المتصلة بالفضائل العملية، كالشجاعة و المحبة والصداقة[25].

ويعني هذا إن القوة العملية مشتركة لجميع الناس، لا يختلفون فيها ألا بالدرجة أو النسبة، وان هذه العقولات متصلة بالإحساس و التخيل، والفرق الحاصل بين الإنسان والحيوان في قضية الإحساس و التخيل هو أن التحسيس حاصل بالطبع والغريزة، أما الصور الحاصلة لدى الإنسان فهي حاصلة بالفكر و الاستنباط.

       وبينما يتجه العقل العملي في اشتغاله نحو البدن ليحركه إلى: "الأمور الجزئية فيما ينبغي أن يفعل، وما لا ينبغي أن يفعل بحسب الاختيار، ويتعلق بهذا الباب استنباط الصناعات العملية والتصرف فيها كالملاحة والفلاحة والصباغة والنجارة"، وتكتسي هذه القوة طابعا روحانيا، فيها" ينال الفيض الإلهي". ويؤكد ابن رشد ذلك حين يثبت بأن هذه القوة: "يظهر من أمرها أنها إلهية جدا، وأنها إنما توجد في بعض الناس، وهم المقصودون بالعناية أولا في هذا النوع".

       وخلاصة القول نستنتج أنه رغم تعدد قوى النفس عند ابن رشد، فإن النفس واحدة بالموضوع كثيرة بالقوى، و أما مبدأ وحدتها هو الحرارة الغريزية، وذلك أن هذه النفس إنما تفعل كما يظهر من أمرها جزء عضو  من أعضاء المتغذي والأعضاء مركبة من الأسطقسات، والمركب من الأسطقسات إنما يصير واحداً على ما تبين بالمزاج، والمزاج إنما يكون بالحرارة كما قيل في الآثار العلوية، فإذن الحرارة هي الآلة الملائمة لهذا الفعل، وليس هذه الحرارة هي النفس كما ظن جالينوس وغيره .فإن فعل الحرارة ليس بمرتب ولا محدود ولا تفعل نحو غاية مقصودة كما يظهر ذلك من أفعال النفس، ولا يصح أن ينسب الترتيب إلى الحرارة إلا بالعرض على ما كان يرى كثير من القدماء.

العقل والنفس:

       للعقل عند ابن رشد قيمة كبرى تكاد تكون أسمى من قيمة الوحي، وان كان الرجل يصرح بأن الاثنين متساويين في الحصول المعرفة، (فالحكمة صاحبة الشريعة و الأخت الرضيعة)، من هذا فالسؤال الذي يطرح نفسه: ما هو مفهوم العقل عند ابن رشد؟ وما مدي اتصاله بالنفس؟

       كانت انطلاقة ابن رشد في تحديده لمفهوم العقل من شرحه لنظرية العقل عند أرسطو لكنه لم يقف عند حدود تلك النظرية، بل أعطي مفهومه الخاص للعقل: ((إدراك صور الموجودات مجردة من المادة))[26].

       ويعني إدراك صور الموجودات بأسبابها وعللها، فإذا كانت النفس تدرك الأشياء كما هي، فبالعقل ندركها بأسبابها وعلى ما هي في حقيقتها.

          والعقل عند ابن رشد ينقسم إلى ثلاثة عقول: العقل المادي والعقل بالفعل و العقل الفعال، وكل هذه العقول توجد داخل النفس.

أ- العقل المادي:

       هو النفس ذاتها حين تكون على هيئة استعداد لأدراك معاني الأشياء، هو ذات أو جوهر روحي غير جسمي مجرد من المعاني التي يقبلها و عن الجسم في آن واحد[27].  فقد تبين إذا أن العقل الهيولاني هو شيء مركب من الاستعداد الموجود فينا ومن عقل متصل بهذا الاستعداد هو من جهة ما هو متصل به عقل مستعد لا عقل بالفعل، وهو عقل بالفعل من جهة ما ليس هو متصل بهذا الاستعداد ، وهذا العقل هو بعينه العقل الفعال ... (وكما قال ابن باجة من قبل) تبين أنه يوجد في النفس منا فعلان أحدهما فعل المعقولات والآخر قبولها ، فهو من جهة فعله للمعقولات يسمى فعالًا ومن جهة قبوله إياها يسمى منفعلًا ، وهو في نفسه شيء واحد فالعقل المادي إذن هو موجود داخل النفس أو هو القوة القابلة للمعقولات غير القابلة للتغير.

ب- العقل بالفعل:

       عرض زائل و هو ليس غير العقل الهيولاني وقد خرج من القوة الى الفعل بواسطة العقل الفعال، وهذا العقل شبيه بالعقل المستفاد[28].

          فالعقل بالفعل جوهر، هو بالقوة جميع المعقولات يخرج العقل الهيولاني من القوة الى الفعل بواسطة العقل الفعال، فيخلع على الصور البيانية المخزونة في هذا العقل أقصى مراتب التجريد، فتنشأ عن ذلك مرتبة أولى من الاستكمال وهذه المرتبة من الإدراك هي العقل المستفاد. فالعقل بالفعل كنتيجة التجريد عن المحسوسات، وهو تأيد للمعقولات البديهية، مثل "الكل أعظم من جزئه"، لا تقدر أن تصدر عن التجربة الحسية، لأنها في غاية اليقين والشمولية، فيلزم أن تصدر عن فيض إلهي.

       وفي الشفاء يبين ابن سينا أن الصور العقلية ليست في العقل حين لا يتفكر فيها بالفعل، لأن "وجود الصورة المعقولة في النفس هو نفس إدراكها لها".  فإذا العقل ليس له علم ملكي، بل إنما الاستعداد القريب ليقبل الصور من جديد من العقل الفعال .والعقل بهذ الاستعداد نوع من العقل بالفعل، ولكن عندما يعلم بالفعل إنه العقل المستفاد . وكذلك ينتحل ابن سينا مصطلح "المعرفة بالملكة من أرسطو، ولكن يفرغه عن معناه بإدماجه في سياق الأفلاطونية الجديدة حيث كل المعرفة تأتي بطريق الفيض من الأعلى .

       وفي النكت لا يتبدي هل ينفي ابن سينا المعرفة بالملكة كما نفيها في الشفاء.

وبرغم ذلك يقول: "فإذا حصلت للنفس التعقلات بحيث صارت لها هيئة مستقرة حاضرة فيها تطالعها بالفعل فتعقلها بالفعل فقد حصل لها اتصال بالعقل الفعال".

       ولا يمكن العقل أن يكون في الفعل الكامل في هذه الحياة، ولكن بعد الموت سيكون في اتصال المستمر مع العقل الفعال. كذلك يمكن العقل الإنساني أن يعرف وجود الجواهر المفارقة وبعض لوازمها، ولكن لا يمكنه أن يعرف حقيقتها و ذواتها .وكذلك في المحسوسات ندرك بعض لوازمها والبعض الآخر نجهل، ولذلك وقع للناس اختلاف في ماهيات الأشياء.

ج- العقل الفعال :

       هو الذي ينقل العقل الهيولاني من حالة القوة إلى حال الفعل، وهو أزلي لا يفني[29]. ويعني هذا أن العقل الفعال هو الذي يحرك العقل الهيولاني من القوة الأولية إلى فعل التفكير أو بتعبير آخر، هو الذي يصدر المعقولات التي فيه من القوة إلى الفعل إذا كان منه بمنزلة الغاية والكمال.

       العقل الفعال هو كالصورة في العقل الهيولاني وأنه يفعل المعقولات ويقبلها من جهة العقل الهيولاني وأن العقل الهيولاني كائن فاسد (فإذا هو المتخيلة) ...وأن العقل الذي بالملكة في جزء كائن وجزء فاسد، وأن الفاسد هو فعله وأما هو في ذاته فليس بفاسد ، وأنه داخل علينا من خارج ...ولذلك العقل الذي بالقوة هو لهذا العقل كالمكان لا كالهيولى .ولو كان فعل هذا العقل من حيث يتصل بالعقل الهيولاني غير كائن لكان فعله جوهره ولم يكن في هذا الفعل مضطرا إلى اتصاله بالعقل الهيولاني، لكن لما اتصل بالعقل الهيولاني كان فعله من جهة ما يتصل به غير جوهره ، وكان ما يفعله هو جوهر هو لغيره لا لذاته، ولذلك أمكن أن يكون شيء أزلي يعقل ما هو كائن فاسد .فإن كان هذا العقل يتعرى عند بلوغ الكمال الإنساني عن القوة فقد يجب أن يبطل منه هذا الفعل الذي هو غيره ...فقد بقي أن نكون إذ اً براء هذا العقل من القوة ، عاقلين به من حيث فعله جوهره ، وهي السعادة القصوى.

       ومن ثمة فإن رأي ابن رشد يختلف عن رأي فلاسفة الإسلام لأن العقل عندهم جوهر مفارق خارج النفس محيط بعالم الكون والفساد، أما عند فيلسوفنا صورة الفعل الهيولاني من حيث فعله، له صلة بالنفس الإنسانية كصلة الصورة بالمادة[30]. فطبيعة العقل عند ابن رشد تندرج ضمن مسألة النفس، يؤكد ابن رشد أولا على أن العقل بالملكة هو الذي يدرك العقل الفعال الكوني. وعندما يتحد العقل الإنساني بالعقل الكوني يندثر العنصر القابل

للفساد من العقل الإنساني .وبعد ذلك تندثر كل ملكات الروح الإنسانية .و هذا دليل على أن خلود النفس مجرد وهم في رأي ابن رشد.

       ولما كانت النفس تعرف على أنها الكمال للجسم، فإن ذلك من شأنه أن تثير إشكالا يتعلق بوضعية العقل، وذلك يبدو في صعوبة الجمع بين كونه قوة للنفس من جهة وهو متميز عنها بعدم افتقاره إلى الجسم في فعله الخاص من جهة أخرى[31].

      فالعقل إذن لا يمكن أن ينفصل في فعله عن الجسم، و شرط خروجه إلى الوجود هو ما تقدمه المعطيات الحسية، ومن ثمة فالعقل عند ابن رشد قوة مختلفة تندرج تحت لواء الكمال وتحت النفس باعتبارها كمالا للجسم.

      ويري ابن رشد كذلك أن الاتصال ممكن على هذه الأرض، ويرجع إلى طريقتين:

طريقة الاتصال الصاعد، وطريقة الاتصال الهابط. الطريق الصاعد يبدأ من المحسوسات ثم الصورة الهيولانية ثم الصورة الخيالية، ثم الصورة المعقولة، وهذا الطريق ميسور لكل إنسان، أما الطريق النازل هو أن نفترض وجود هذه الصورة المعقولة، وان تتصل بنا فنكتسبها، وهذه موهبة إلهية لا تحصل لكل إنسان[32].

       أي أن هناك طريقتين للاتصال، الاتصال بإتباع الطريق الصوفي الهابط من الذات الإلهية، وهذا الاتصال لا يتيسر لكل إنسان بل لأصناف السعداء و هذا الطريق أنكره ابن رشد، أما الطريق الثاني فهو اتصال العقل الهيولاني بالصورة المعقولة، ومن ثمة تزداد السعادة الإنسانية بزيادة الاتصال.

       وخلاصة القول نستنتج أن هناك اتصالا كبيرا لين النفس والعقل، وبالتالي يكون هذا الاتصال وسيلة إلى بلوغ السعادة والنفاذ إلى كنه الشريعة.

       رأى إبن رشد أنه لا يمكن الفصل بين العقل الفعال والعقل المنفعل إلا على مستوي نابع من التجريب المنطقي، فإن إبن رشد أستنتج من ذلك أن البشر إذا تكلموا على الدقة لا يفكرون على الإطلاق. (فالعقل الفاعل هو عقل كلي (عام) مستقل عن جسم الإنسان وغير قابل للامتزاج بالمادة. وأما العقل المنفعل فهو عقل خاص قابل للفناء والتلاشي مثل باقي قوى النفس. ويمر طريق العلم والمعرفة عبر اتحاد هذين العقلين). يرى ابن رشد أنّ العقل المنفعل أي الإنسان يستطيع الاتصال عبر الحواس بالعقل المفارق أي الأجرام العلوية والأرواح.

·       مفهوم الفضيلة:

       يعرف ابن رشد الفضيلة فيقول: ((هي ملكة مقدرة لكل فعل هو خير من جهة ذلك التقدير، أو يظن به انه خير، اعني الحافظة لهذا التقدير و الفاعلة له، ولذلك كانت موجودة لكل فعل يقصد به نحو غاية ما جليل القدر عظيم الشأن، في حصول تلك الغاية منه)). ويعني هذا أن ابن رشد جعل من الفضيلة وسيلة الى غاية ابعد منها غاية قصوى هي السعادة.

       ويذهب ابن رشد إلى أن الفضائل تنحصر في فضيلة البر، أي العدل العام و الشجاعة و المروءة و العدل

و العفة وكبر الهمة و الحلم و السخاء واللب و الحكمة[33].

فالفضائل إذن في نظر ابن رشد، خاصة بذات الإنسان الفاضل، وقد تكون فضائل تؤدي اتجاه ذوات أناس آخرين.

       ويربط ابن رشد ربطا وثيقا بين الفضائل وقوى النفس أو أجزائها، أي الحكمة لا تتحقق في الشخص إلا إذا حكم فيها الجزء الناطق الجزئيين الآخرين (ألغضبي و الشهواني)، و تكون شجاعة بمقدار ما تتحرك القوة الغضبية فيها في الوقت وبالمقدار اللذان يقضي بهما العقل، و تكون عفيفة بمقدار ما تنقاد القوة الشهوانية إلى الناطقة[34].

       ويعني هذا أن الفضيلة مرتبطة بقوى النفس وأقسامها، أي بالجزء الناطق مثل الحكمة والعقل، وبالجزء لنزوعي مثل العفة و الشجاعة و السخاء و العدالة وبالتالي فهو ابن رشد ينهج نهجا ارسطو طاليسيا واضحا.

       أما الفضيلة الرابعة والتي سماها من قبل أفلاطون فيقول عنها: ((أنها ليست ألا تكلف كل امرئ... في الأفعال التي تخصه بالطبع على أفضل وجه ممكن))[35].

العدالة إذن عبارة تكلف كل من أجزاء النفس ذلك الفعل الذي يخصها دون سواه بالقدر المناسب وفي الوقت المناسب، ويحصل ذلك عندما تنقاد أجزاء النفس جميعا لحكم العقل، وهذا ما ذهب إليه أفلاطون من قبل. فالفضيلة على الأساس إنما هي احد السبل المفضية إلى بلوغ الخير الإنساني الأسمى.

أقسام الفضائل:

       إن الفضائل قبل أن تكون عملية تؤديها أجزاء النفس هي أيضا عملية(نظرية)، أي أن النفس قبل أن تتوجه أو تقبل على الفضيلة، وجب عليها أن تتجه إلى معرفة لله والملائكة، حيث تنقاد إلى ما أمر لله به و ما نهى عنه، وقد فصل ابن رشد في ذلك حين قسم الفضائل إلى قسمين، نظرية وعملية:

الفضائل النظرية  (فكرية):

       والتي يدرج فيها العقل الفطري (البديهة) و العلم اليقيني و التعقل و الصناعة على غرار أرسطو و في عداد الفضائل الفكرية أيضا جودة الرأي، كما سماه الفارابي من قبل[36]، فالفضائل النظرية هي فضائل الجزء الناطق.

الفضائل الخلقية:

       تعد هذه الفضائل ترجمة للفضائل النظرية، وتضم في طياتها أنواعا عدة من الفضائل وهي:

·       الشجاعة:

       هي فضيلة يكون المرء فعالا للأفعال الصالحة النافعة في الجهاد على حسب ما تأمر به السنة، حتى يكون بفعله خادما للسنة، و الشجاعة وسط بين رذيلتين، أحداهما الجبن و الأخرى التهور، أما الجبن فهو الخوف فيما لا ينبغي إن يخاف منه، و أما التهور فهو الإقدام على ما ينبغي أن يخاف منه[37]. يري إبن رشد أم الشجاعة تكون في الإنسان في الجزء العصبي من النفس بمقدار ما تتطلبه الشجاعة و فيما يقدره الزمان و المكان والحد الذي يأمر به الحكمة ويحدث الشيء نفسه وبدقة وذلك بالنسبة لضبط النفس. فالشجاعة إذن هي الإقدام على المكاره  

و المهالك عند الحاجة إلى ذلك، وهي توجد في الأمور المفزعة و فيما يتجرأ عليه، وهي وسط بين الخوف

و التقحم. يعني ان النفس تقوم بالافراط في التعرض للمخاطر فتجعل الإنسان متهورا، فالشجاعة التي إنما نشأت وتبقي وتنمو بالممارسة المعتدلة للخطر، فهو شرط للنمو الملكة واستقرارها في الفضيلة والفعل الذي يصير فيه الإنسان شجاعا مثلا هو شبه بالفعل الذي يصدر عن فضيلة الشجاعة ظاهرا.

·       العفة:

       هي ضبط النفس عن الشهوات وقسرها على الاكتفاء بما يقيم أود الجسد و يحفظ صحته، واجتناب الصرف و التقصير في جميع اللذات، وهي وسط بين رذيلتين الفجور وخمود الشهوة، والفجور هو الانهماك في اللذات، إما خمود الشهوة فهو السكون عن الحركة التي تقود نحو اللذة الجميلة التي يحتاج إليها البدن في ضروراته التي تسمح به الشريعة والعقل[38] .

       يري إبن رشد أنها تقوم مع اعتدال و إتحاد مع الشهوات الحسية والتحكم باللذات بدلا من أن تحكمهم لذات و العفة تعني توسط بإعتدال عن الأكل و الشرب و النكاح، والرجل العنيف هو الذي يمكن أن يمضي على الدوان في وضع معتدل ولهذا يقال أن العفة هي كف النفس ومنعها من إمتلاك اللذات و الرغبات، وهناك من يقول عن الرجل الضعيف، أنه الأكثر شجاعة وأنه سيد نفسه. و يوضح ذلك أنه يوجد في الإنسان جزء أكثر وقارا و هو العقل، وجزء أدنى يسمى النفس الشهوية، و بما أن الجزء الأكثر وقار هو أكثر شجاعة وسيادة بخلاف الجزء الأدنى، فلبد أن يخضع له وعندما نقول أن الرجل السيد سيد نفسه وإذا كان خلاف ذلك أي أنه يخضع للجزء الأدنى نتيجة تعلم فاسد أو أمر أخر، قلنا أن الرجل أصبح عبد نفسه ويرجى شفاءه وهذه تتجسد في المدينة وهي أكثر شجاعة لأنها سيدة لنفسها ولا تقتصر العفة على فئة واحد من الناس بل هي عامة للحكماء

 و الجمهور، ولهذا فهي لا تشبه فضلتي الحكمة والشجاعة لأنهما تحذران لأجزاء من المدينة منها، فإن فضيلة العفة ممتدة فالعفة إذا فهي شهوات البدن، مع مقدار ما تأمر به الفجور ضد هذا، و إن محاكاة الرجال للمتغمصين في الدناءة والرذائل إذا ما إستمرت لزمن طويل، فإنها ستكون سجية عليها، ففي تلخيص الخطابة يتناول ابن رشد أن أصناف الأخلاقيات مثلا التكلم على صلاح الحال بأنها حسن الفعل مع الفضيلة طول العمر والحياة اللذيذة مع سلامة وسعة ومال مع تحصيل الأشياء الفاعلة لها.

فالعفة إذن هي الفضيلة يكون فيها المرء في شهوات البدن على مقدار ما تأمر به السنة.

·       السخاء:

       فضيلة تفعل الجميل المشهور في المال، والسخاء هو التوسط في العطاء، و هو أن ينفق الأموال فيما ينبغي وعلى ما ينبغي[39].

فالسخاء هو إذن بذل المال من غير مسألة و لا استحقاق، وهذا مستحسن ما لم ينته الى الصرف و التبذير.

·       الحكمة (اللب):

       وهي فضيلة العقل التي يكون به حسن المشورة والروية، مع وجود الفضائل الخلقية له، التي هي من صلاح الحال وهي توسط بين السفه والبله، ويعني بالسفه استخدام قوة الفكر فيما لا ينبغي، ويعني بالبله إخماد هذه القوة وإهمالها  (تعطيل القوة الفكرية بالإرادة)[40]. الحكمة هي النظر في الأشياء بحسب ما تقتضيه طبيعة البرهان

 و البرهان هو النظر بالعقل في الموجودات

       البر: وهي فضيلة يعني بها الفاضل كل امرئ من الناس ما يستحق، وهي وسط بين رذيلتين الظلم

 و الانظلام فالظلم هو التوصل إلى كثرة المقتنيات من حيث لا ينبغي و كما  لا ينبغي، أما ألا نظلام فهو الإعطاء و الهبة هي المقتنيات لمن لا ينبغي[41].

إن العدالة هي التسقط اللازم في الاستواء، واستعمال الأمور في مواضعها و أوقاتها، و وجوهها و مقاديرها من غير صرف و لا تقصير.

       مما سبق نستنتج ان الفضيلة عند ابن رشد تستند إلى مبدأ الوسطية، المعروف في العقيدة الإسلامية، ومنه قوله تعالى: ﴿ ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك و لا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسور ا [42].

·       مفهوم السعادة:

       يرى ابن رشد إن السعادة هي (( الخير الأقصى و تمام الخيرات جميعا و انها تطلب لذاتها لا لشيء آخر))[43]. ومعني هذا أن السعادة هي الغاية القصوى للإنسان التي ما بعدها غاية، تطلب لذاتها لا لشيء آخر ورائها.

       ولقد أولى ابن رشد اهتماما كبيرا للسعادة الدنيوية و الأخروية فيقول: ((قد اتفق الكل على إن للإنسان سعاد تين أخروية و دنيوية))[44].

        شرع الإسلام من الأحكام و وضع من الضوابط ما يكفل الإنسان لسعادته الدنيوية في حياته الأولى، إلا أنه يؤكد بأن الحياة الدنيا ليست سوى سبيل إلى الآخرة وأن الحياة الحقيقية التي يجب أن يسعى لها الإنسان هي الحياة الأخروية. ويعني هذا اتفاق الأدلة الشرعية والبراهين العقلية على إقرار السعادة الدنيوية والأخروية.

       ويحاول ابن رشد أن يدلل على وجود السعادة الأخروية، معتمدا في ذلك على الأدلة العقلية والشرعية

 فيقول(... إن الإنسان أشرف من كثير من الموجودات، ومنها انه إذا كان كل موجود يظهر من أمره انه لم يخلق عبثا وانه إنما خليق لفعل مطلوب منه وهو ثمرة وجوده فإنسان أحرى بذلك) [45]. فالإنسان أشرف و أفضل الموجودات الأرضية والسماوية ويرجع هذا إلي الخصوصية التي يميز بها الإنسان ، وبالتالي فهو لم يخلق عبثا بل خلق من اجل غاية يسموا إليها فهو من أعظم المخلوقات تأثيرا في السلوك ولو فقد المخلوق روح الغائية والهدف لانعدم فيه الأمل بالبقاء في الحياة ولكان الموت عنده أفضل من العيش في الدنيا .

       وقد نبه لله على وجود هذا المعني في جميع الموجودات في كتابه العزيز فقال تعالي: ﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون[46]. أي و ما خلقت الثقلين الجن والإنس إلا لعبادتي و توحيدي لا لطلب الدنيا والانهماك بها[47].

       يعني الجنس من الموجودات الذي يعرفه، وقال منبها على ظهور وجوب العبادة من قبل المعرفة بالخالق:

 ﴿ وَمَالي لا أعبدُ الذي فطرني وإليه ترجعون

       بعد إن دلل ابن رشد على وجود السعادة الأخروية بالأدلة الشرعية والعقلية معا، نجد يهتم أيضا ببيان ماهية هذه السعادة الأخروية، وأين هي من السعادة الدنيوية، فيطلق على ما يتحقق للإنسان من سعادة في الدنيا اسم السعادة المشتركة، هذه الأخيرة تكمن في كمال أفعال النفس الإنسانية في قسميها النظري و العملي[48].

       ويذهب ابن رشد إلى أن الشرائع و خاصة شريعتنا الإسلامية قد عرفت من الأمور النظرية ما لابد لجميع الناس من معرفته، وهي معرفة لله تبارك وتعالى و معرفة الموجودات الشريفة، ومعرفة السعادة، وكذلك عرفت من الإعمال القدر الذي تكون به النفس فاضلة بالفضائل العملية[49].

       ومعني هذا إن السعادة الدنيوية تحصل للإنسان، إذا استطاع أن يتحرر من سيطرة البدن، لما له من قوى غريزية وشهوانية، بمعني أن يتحرر جانبه العاقل من تأثير البدن عليه، ومن ثم الوقوف على الحقائق الأولى، وعلى قمتها الاتصال بالله سبحانه وتعالى.

 بالإضافة إلى ما سماه ابن رشد بالسعادة المشتركة، أشار كذلك إلى ما اسماه بالسعادة القصوى، وهي السعادة الأخروية، فربط بين من تتحقق له السعادة المشتركة، وبها تزكو نفسه بين التحصيل السعادة الأخيرة وبين من لم يتمكن من تحصيل السعادة المشتركة فتضل نفسه الخبيثة بما لها من شهوات[50].

       إن السعادة القصوى لا ينالها كل واحد وليست في مقدور كل واحد، فالذي تتحقق له هذه السعادة تزكو نفسه ويتضاعف إزكاؤها بتعريها من الشهوات، وان كانت النفس خبيثة زادتها المفارقة خبثا، لأنها تتأذي بالرذائل التي اكتسبتها، وتشتد حصرتها، وفي هذا المقام قوله تبارك وتعالى: ﴿ أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب لله و إن كنت لمن الخاسرين [51].

      أي يا حسرتي و ندامتي على تفريطي وتقصيري في طاعة لله وفي حقه، وانني كنت من المستهزئين بشريعة لله ودينه[52].

       ويرى ابن رشد إن السبيل للوصول إلى السعادة، هو استخدام العلم و الدرس[53]، أي أن الاعتماد على العقل و الدرس و ترقية المدارك الإنسانية سبيلا للوصول إلى السعادة. بالتالي فان ابن رشد رفض طريق الصوفية، وفي هذا يقول رينان عن ابن رشد: ((ابن رشد اقل الفلاسفة عرب الأندلس تصوفا، وقد أعلن بصوت عال أن نقطة النمو البشري العليا ليست سوى النقطة التي تبلغ ملكات الإنسان عندها إلى أقصى قوتها، ويصل إلى لله عندما يخرق الإنسان بالتأمل حجاب الأمور، ويجد نفسه مواجها للحق الأعلى و نسك الصوفية باطل لا طائل منه، وذلك أن غاية الإنسان هي نصر قسم النفس الاسمي على الحس، فمتى تم هذا بلغت الجنة مهما كان الدين الذي يجهر به[54]، ويعني هذا أن ابن رشد من الفلاسفة المسلمين القلائل الذين يرفضون طريق الصوفية، وان نهج هذا الأخير لا طائل من ورائه، لان الغاية من الحياة الدنيا التي توصل إلى السعادة هي تغليب الفكر و العقل

على الحواس و الأهواء و الشهوات.

       ومن هذا كله نستنتج أن السعادة هي خير ما فهي لا تقتصر علي الحياة الدنيا بل أن يعمل الإنسان في الدنيا من اجل الحصول علي الجزاء في الآخرة أي الحصول علي الخير والسعادة القصوى وذلك بالعمل وحسن عبادة لله فيها وأحيانا المجتمعات الإنسانية علي القيم فإذا جمع الإنسان بين الفضائل والحكمة بين الأخلاق ومعرفة لله وعبادته تحقق له السعادة في الدنيا و الآخرة، وهي تمام الخيرات وغايتها، وأن السبيل للوصول إليها هو استخدام العلم والدرس، ومن ثم فابن رشد تخلص من الجانب الصوفي الذي بدأ عنه ابن باجة، واتبع عند ابن طفيل، فهو إذن مخلص للخط الذي رسمه أرسطو، ومتابعا للنهج الذي سبقه إليه الفارابي وابن سينا باعتمادها على العقل والدرس.

- درجات أو مراتب السعادة:

      لم نجد من بين أراء فلاسفة الإسلام أو درجات للسعادة الأخلاقية بالمعني الصحيح، وذلك لتأثير العقيدة الإسلامية على تفكيرهم، ورغم ما تأثروا به من أثار خارجية فلسفية أو غير فلسفية، لأن الإسلام كعقيدة وان لم يدع إلى رفض الحياة ما فيها من لذات أو سعادات إلا انه اعتمد ان اللذة الكبرى، والسعادة القصوى، إنما هي تلك التي تتحقق للفائزين بالجنة في الحياة الآخرين ومن ثم كانت السعادة عند الفلاسفة المسلمين بالمعنى الصحيح

إنما هي ما أطلقوا عليه (السعادة القصوى) ومن هذا فالسؤال يطرح نفسه: ما هي مراتب أو درجات السعادة عند ابن رشد؟

       يتحدث ابن رشد في ترتيب درجات السعادة عن سعادة مشتركة وهي تلك الدرجة من السعادة الممكنة للناس جميعا، متى انتهوا عن الرذائل و اكتسبوا الفضائل التي اتفقت عليها الحكمة والشريعة[55] .معنى هذا إن السعادة المشتركة، يمكن لأي إنسان الحصول عليها، وذلك عن طريق تغليب الفكر و العقل على الأهواء الشهوات، أو بتعبير أخر إن السعادة المشتركة تكمن في كمال أفعال النفس الإنسانية بقسميها النظري والعلمي.

       أما النوع الآخر أو الدرجة الأخرى من السعادة الذي قال به ابن رشد فهي السعادة الحقيقية أو السعادة الخاصة، أو ما عرف عند الفلاسفة المسلمين بالاتصال أو السعادة القصوى، وهو ذلك الذي يحدث بعد تجاوز ما اسماه بالسعادة المشتركة و بفضل حدوث الفضيلة النظرية للإنسان التي تقوم على أعمال الفكر الخالص دون معوقات من جانب البدن فيه من غرائز و شهوات[56]، أي السعادة القصوى أو السعادة الأخروية تحصل بعد تجاوز السعادة المشتركة.

 ويذهب ابن رشد إلى أن هذه السعادة القصوى لا تحصل للإنسان على الإطلاق، وقد تحدث له في الحياة الدنيا ولكن لأعاظم الرجال، وهم يدركونها في الشيخوخة أو على فراش الموت[57].

           أي إن هناك احتمال الحصول على السعادة القصوى في الحياة الدنيا لكن لا تحصل لأي إنسان بل لأفضل الرجال فقط، وهم يدركونها في سن الشيخوخة (كبار الأنفس).

       وقول ابن رشد هذا الاحتمال إدراك الإنسان بالسعادة الحقيقية أو القصوى في هذه الحياة الدنيا، يجيء متأثرا فيه أرسطو الذي يحصر حديثه عن السعادة في الحياة الدنيا، لأنه لا يؤمن بسعادة أخروية، كما هو شأن العقيدة الإسلامية، ولكن بالرغم من وجود الأثر الأرسطي في فلسفة ابن رشد، نجد الأثر الإسلامي فيها أوضح

 و يتجلى هذا في إقراره منذ البداية بسعادة دنيوية وأخروية.[58]أي انه رغم تأثر ابن رشد بأرسطو في قوله باحتمال حدوث السعادة القصوى في الحياة الدنيا لأعاظم الرجال، فهو يقر كذلك بالسعادة الأخروية و هذا لكونه أصولي مسلم.

       ويذهب ابن رشد عند حديثه عن النفس بعد أن يدلل على خلودها بالعقل و الشرع، أن هناك نفسا زكية و نفسا خبيثة بعد الموت، ويسمي حالة النفس الزكية بالسعادة الأخيرة، والنفس الخبيثة بالشقاء الأخير[59]، ويعني هذا انه توجد نفس زكية بعد الموت وهي التي تتعرى عن الشهوات الجسمانية فيتضاعف زكاؤها. ونفس خبيثة، وهي التي زادتها المفارقة خبثا لأنها تتأذي بالرذائل التي اكتسبت، لأنها لا يمكنها الاكتساب إلا من البدن.

       وخلاصة القول نستنتج ان أعلى درجات السعادة أو السعادة الحقيقية أو القصوى هي السعادة الأخروية التي لن تتحقق للإنسان الفاضل إلا في الحياة الأخرى، أي في حياة بعد هذه الحياة الدنيا، وهو أمر اتفق عليه سائر المفكرين المسلمين، كما تأيد من قبل بالكتاب والسنة.أوضح ابن رشد أن الوصول إلي السعادة الحقيقية

لا يتحقق إلا عن طريق الفكر والتمتع بالصحة النفسية ولا يمكن التمتع بها إلا بالأمان بقدرة لله ووحدانيته معبرا أن الإسلام يهدف إلي المعرفة الحقيقية وهي الاعتراف بوجود لله وعظمته وقدرته ويشتمل هذه المعرفة أيضا معرفة السبل المتعددة التي تقود إلي إشباع الرغبات الدنيوية وتجنب الشقاء.

المبحث الثاني

تقييم طبيعة النظرية الأخلاقية عند ابن رشد

        إنما ابن رشد يتمسك بالعلاقة الإيجابية بين الراسخين في العلم ومسألة التأويل، وتبقى المسألة ضمن هذا السياق عرضة للسجال، ومهما تكن نتائج هذا السجال فإن الأخلاق الدينية التي يضعها ابن رشد كمقياس للتفاعل بين الحكمة والشريعة تبقى أساس ما ينظر إليه تاريخيًا في هذه الإشكالية، لأنه يحصر المسألة بأصحاب القياس البرهاني، ويضع التأويل بمكانة بعيدة عن الجمهور خشية أن تفسد أخلاقهم الدينية وتتأذى العقيدة الإيمانية بين العوام كما يسميهم ابن رشد .فالأخلاق الدينية هي الأهم، ويجب الحفاظ عليها، ومسألة التأويل فهي للخاصة فقط، مواقعهم ومواقفهم محددة تحديدًا دقيقًا، إنه موقف متوسط تقريبًا بين الأخلاق الدينية ومسألة التأويل، وحظر ابن رشد التصريح بالتأويل للجمهور، واعتبره مفسدة المفاسد، فالتأويل يجب أن لا يتعدى الراسخين في العلم، وهذا الموقف يعد ذروة موقفه الأخلاقي، لأنه يدافع بكل أدواته المعرفية كي يُبعد الجمهور عن التأويل صناعة ومعرفة، ويقدم برهاناً تاريخيًا على صحة قوله، فيرى أن المسلمين الأوائل أخذوا الشريعة دون أي تأويل فيها، فساروا على طريق الفضيلة الكاملة والتقوى وعندما عمل من أتى بعدهم بالتأويل قل تقواهم وكثر خلافهم وتفرقوا فرقًا[60]، وفي هذا الموقف يدعو إلى الفضيلة والتقوى وجميع متطلبات الأخلاق الدينية التقليدية ليقف أمام المجتمع الإسلامي بريئًا مما قد يُنسب إليه من تهم، قد تخرجه من إطار عقيدته التي يعتز بها، ويسعى للحفاظ عليها .وهو بذلك يحدد الإطار الاجتماعي تحديدًا دقيقاً مستخرجًا منه تلك الفئات التي يسمح لها بالدخول في مجال التأويل، دون أن تخرج من نطاق الأخلاق الدينية المحددة وفق قواعد دقيقة، يبذل جهداً فائقاً ليرسم خطوطها العريضة بطريقة متينة، لا تتسرب منها الشكوك والاعتراضات، ولعل موقفه الشائك هذا يتطلب حلا غاية في الدقة، فيعيد هذه الإشكالية، وذلك عن طريق الشرع نفسه، فيقسم الناس وفق تصورهم وتصديقهم أي نوع من مقاييسهم.

        وهنا تتبدى مسألة تمس الأخلاق الدينية في أعمق جوانبها، وهذه المسألة تثبت أن ابن رشد أراد تثبيت الأخلاق الدينية السائدة وليس نقضها، فالأخلاق الدينية الواجب أتباعها من اجل صيانة النفس من الخروج عن شرع لله، هي تلك التي تتلائم مع الجو الديني العام، أما تلك التي قد تأتى من خارجه باجتهادات أو بتأويلات لا تتناسب مع السياق الأخلاقي السائد، فهي بالتأكيد منحرفة عن الأخلاق الدينية. فمع أنه يقرر بنفسه أن لا إجماع يمكن اللجوء إليه و بآنٍ واحد معاً ولهذا، يقوم بتحديد صنف في الشريعة لا يُسمح التأويل فيه، ويجب أن يؤخذ على ظاهره، لأنه كما يرى من أصول الشريعة .إن هذا يعكس نوعاً من الرؤية الذاتية، لأنه على سبيل المثال لا الحصر، إذا كانت مسألة المعاد تعد من أصول الدين، والخارج عنها يعد كافراً، فمن المعلوم أن هناك فرقاً إسلامية بأكملها قد خرجت عنها، واستبدلت المعاد بتناسخ الأرواح، وبالطبع لهؤلاء رؤساء فرق، وفق تصنيف ابن رشد هذه الفئة كافرة خارجة عن الأخلاق الدينية السليمة .وهو يؤكد أنه لا توجد طائفة من المسلمين لم تنشر أقوالها، إلا أنه مكانٍ آخر أن هنالك طائفة من المسلمين أبقت أفكارها في إطار السرية ولم ترَ هذه الأفكار النور لسبب أو لآخر وبهذا يبدو لنا وكأنه ينفي مجموعة من القضايا ويؤكدها بآنٍ واحد، لكن للإنصاف إذا وضعنا هذه المسألة في سياقها التاريخي آخذين بعين الاعتبار الأزمات التي تقع فيها الأخلاق الدينية السائدة في كل عصر من العصور فمن الممكن وضع ابن رشد خارج دائرة النقد في مسائل خطيرة كهذه، خاصة تلك المسائل التي مُنعِ التأويل فيها، فقد كان مجبرًا على ذلك تحت ضغط الحصار الذي فرضه عليه فكر الغزالي بعد أن تصدى لهذا الفكر، ووقف خارج دائرة الغزالي الأخلاقية التي تناسب روح العصر، لهذا أبقى بعض المسائل التي كانت تعد جوهرية بعيدة عن النقاش، لأنها تقع ضمن دائرة الأخلاق الدينية المقدسة لا يمكن المساس بها، ولا يمكن تأويلها، مدخراً جهداً هاماً للرد على الغزالي في قضايا أخرى تساعده فيها الظروف على ذلك .فقد رد عليه في المسائل الثلاث التي اتهم فيها الفلاسفة بالكفر، وحاول دحض دعواه على صعيد استعماله الإجماع على صفات أصول الدين.

        قال أبو حامد الغزالي وأبو المعالي وغيرهما من، أئمة النظر"إنه لا يقطع بكفر P من خرق الإجماع في التأويل في أمثال هذه الأشياء"[61] فلا يحق للغزالي أن يكُفرِّ الفلاسفة P في هذه القضايا، لأن الإجماع على التأويل في الصنف الثالث مستحيل، إنما يجب الانطلاق من مفهوم الإجماع لاكما يراه الغزالي، إنما كما يفهمه ابن رشد.

        ويهاجم الغزالي بأسلحة يصطنعها ولا يتوقف على هذا الصعيد، بل يواجهه بما لخص القضايا الثلاث، قِدم العالم، وعلم لله بالجزئيات، وحشر الأجساد وأحوال المعاد، ويقوم بشرحها موضحاً أسباب خروج الغزالي عن منطق العقل، ويرى أن الغزالي لم يستطع فهم أرسطو فأدى سوء الفهم هذا إلى تكفير الفلاسفة .وتبقى نقطة الانطلاق عند ابن رشد رغم مواجهة الغزالي وغيره، في تلك المسائل الجوهرية، هي مسألة التأويل وعلاقتها بالأخلاق الدينية ، ان تقسيم الناس إلى فئات تتحدد مواقعها من النص الديني، ويُحدد سلوكها تحديدًا دقيقاً. إنها قضية هامة تلك التي أثارها موقف ابن رشد من الفلسفة والدين، تتضمن إنذاراً خطيرًا في تشويه فكره، واختزالا كاملا لمقاصده العميقة في الربط بين الشريعة والحكمة. إنها تلك القضية التي أثيرت في القرون الوسطى وسميت بالحقيقة المزدوجة، حقيقة عقائدية وحقيقة عقلية فلسفية، واعتمدت هذه النزعة على نظرة ابن رشد إلى النص الديني وتقسيمه إلى ظاهر وباطن .إن هذا الموقف الذي أفرزته حصراً مسألة التأويل عنده يعكس موقفاً أخلاقياً، أن ابن رشد يميز اجتماعيًا بين طبقات الناس الثلاث التي يمكن ردها في آخر الأمر إلى فئتين، أهل البرهان والجمهور الغالب .ولهذا التمييز مغزى مهم من الناحية الاجتماعية ومن الناحية الفلسفية، فهو ينطوي أولا على تصنيف للبشر يكاد يكون قاطعًا بين فئتين شبه بيولوجيتين، ومن الممكن نفي هذه التهمة بالعودة إلى المقاصد الأخلاقية التي تختفي خلف الموقف المعلن، لأن هذا الموقف ينبع من غاية أخلاقية لا تخلو من النبل إنسانيًا واجتماعيًا، وهي إبعاد الناس غير المؤهلين علميًا عن دوائر العلماء والفقهاء، ليس لأنهم أقل مرتبة إنسانيًا، إنما للحفاظ على إيمانهم وعدم انسياقهم وراء مسائل تحتاج إلى قدرةٍ علميةٍ وعقلية أكبر من قدراتهم .

        تعتبر المسألة الأخلاقية الأساسية نفسها التي تجعل ابن رشد بعيدًا عن الشك في سلوكه الأخلاقي تجاه العقيدة ذاتها، هذا الشك ذهب ببعض الباحثين إلى القول :إنه يفضل الفلسفة على الشريعة، وكأنه يبحث عن نص إنساني أسمى وأرقى من النص الإلهي، كما ذهب أحد الباحثين : والحق أنه يلزم عن مذهب ابن رشد في الصلة بين الفلسفة والشريعة أن القول الفصل في كل المسائل التي يشك فيها الأمر أو تصطدم الشريعة بالفلسفة إن هو إلا الفلسفة وأصحابها، وأن العقل هو رائد الإنسان الأخير في بحثه عن أسمى المعارف حتى الإلهي منها، فلم يكن للوحي أو الإيمان ميزة عليها على الرغم من شرف المصدر  الإلهي الذي ينحدر منه، وفي ذلك حط من شأن المعرفة الإلهية ومن سلطان الإيمان[62].

       إن إيمان ابن رشد بالإسلام وبجميع نصوصه المقدسة مسألة لاشك فيها على الإطلاق، والمواقف الأخلاقية عنده صريحة ومباشرة عكس ما ذهب إليه تمامًا، فحرصه على العقيدة يجعل التفضيل يقع في دائرة الوحي وليس الفلسفة، إنما تفضيل أهل البرهان للخوض في إشكالية التأويل، وإظهار ما يخفيه باطن النص الديني من حكمة ومعرفة، فهذا له شأن آخر بعيد عن تفضيل نتائج العقل على النص الديني .إنه يستخدم كلمة الاتصال وليس التوفيق في العلاقة بين الدين والفلسفة، و الملاحظ من القول إن ابن رشد وضع كلمة الاتصال تلبية لمطلب التناغم الموسيقي في العنوان ((فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال)) أي السجع ومعروف أيضًا موقفه المقاوم للتصوف والمتصوفين، مما يجعلنا نستبعد كليًا معنى الاتصال كما قالت به الصوفية، أما ما درجت على قوله معظم  الأبحاث فهو ثبت الاتصال على أنه الاتفاق أو التوفيق بين الشريعة والحكمة[63] وهنا يتضح Pلنا أن أهم ركيزة من ركائز الفكر الرشدي هو عدم التضاد والتناقض بين الشريعة والحكمة، بمعنى أن الوحي ينتهي إلى الحكمة، ولا يحتكم إلى العقل إنما جوهر الوحي يكمن في الحكمة المستقاة منه دون أن يخضع للعقل ومتطلباته لأنه هو الأسمى والأكثر أهمية في هذه الثنائية.

       فموقف ابن رشد الثابت من أصول الدين كي تتضح لنا هذه النقطة بكامل تفاصيلها الأخلاقية، لأن منطلق الأخلاق في فكر ابن رشد ليس يونانيًا ولا دينيًا، إنما هو الاتصال بين العقل العملي والعقل النظري، ففي الشريعة عقائد إيمانية وقواعد سلوكية، وقوانين لمختلف أشكال الحياة، والمؤمن مطالب بالإيمان بها، والعيش بموجبها، إلا أنها جميعها تنتهي إلى الحكم، فإذا كانت تلك تسمى العقل العملي فإن هذا العقل يتطلب العقل

النظري، وهنا كما نرى نقطة انطلاق الأخلاق، لا تمارس أخلاق إلا ويرافقها اليقين والوعي ...ومن يتبع الشريعة ويؤمن بعقائدها، ويحقق شرائعها، ينتهي إلى يقين الحكمة، إذ تقوم هذه بفعل العقل في كل ممارسة إنسانية[64]، كل هذا يؤكد تناسق فكر ابن رشد في، Pجوهر الأخلاق عنده، وهو لا اتصال بين الشريعة والحكمة، ولا نجد نصاً واحداً عنده يفضل الفلسفة على الشريعة، وبالتالي فإن هذه الشكوك التي صاحبت الباحثين والنقاد المهتمين بالفكر الرشدي، تذهب إلى حيث تلك المؤثرات التي صاحبت الرؤية الرشدية في ذهنية هؤلاء، فليس هناك مظهران للحقيقة ديني وفلسفي، وليس هناك تقسيم اجتماعي طبقي بين الناس وليس هناك تفضيل للعقل على الوحي، إنها مسائل جادة ظهرت على هامش الرؤية الرشدية لمسألة التأويل بشكلٍ عام، وعليها تنطوي جميع الرؤى الأخلاقية المرافقة لجميع القضايا الملحقة بتلك المسألة.

      ضمن هذه الرؤية من الممكن وضع ابن رشد ضمن السياق التاريخي الذي حاول من خلال معالجة كل مرحلة وفقاً لهذا المنظور التاريخي الذي وجد فيه ، فيصبح واضحاً لدى متابعيه، وتصبح تلك القضايا التي تثار حول مواقفه بين الحين والآخر مثال ذلك ما قاله للرد علي الغزالي فكل هذا ليست بتلك الأهمية، التي يمكن أن تحول حقيقة الفيلسوف ومكانته التي وجدا فيها.

تأثير ابن رشد في الفكر العربي:

     يعتبر ابن رشد مترجم وشارح أرسطو حيث يقول لويج رينالدي في بحث عنوانه "المدينة العربية في الغرب": "ومن فضل العرب علينا أنهم هم الذين عرفونا بكثير من فلاسفة اليونان. وكانت لهم الأيدي البيضاء على النهضة الفلسفية عند المسيحيين. وكان الفيلسوف ابن رشد أكبر مترجم وشارح لنظريات أرسطو. ولذلك كان له مقام جليل عند المسلمين والمسيحيين على السواء. وقد قرأ الفيلسوف ورجل الدين النصراني المشهور توماس الأكويني، نظريات أرسطو بشرح العلامة ابن رشد. ولا ننسى أن ابن رشد هذا مبتدع مذهب "الفكر الحر". وهو الذي كان يتعشق الفلسفة، ويهيم بالعلم، ويدين بهما. وكان يعلمهما لتلاميذه بشغف وولع شديدين، وهو الذي قال عند موته كلمته المأثورة: تموت روحي بموتِ الفلسفة"[65].

      وفي كتابه "تاريخ موجز للفكر الحر" كتب المفكر الإنكليزي جون روبرتسون: "إن ابن رشد أشهر مفكر مسلم، لأنه كان أعظم المفكرين المسلمين أثراً وأبعدهم نفوذًا في الفكر الأوروبي، فكانت طريقته في شرح أرسطو هي المثلى".

 وكتب المستشرق الإسباني البروفيسور ميغيل هرنانديز: "إن الفيلسوف الأندلسي ابن رشد سبق عصره، بل سبق العصور اللاحقة كافة، وقدم للعلم مجموعة من الأفكار التي قامت عليها النهضة الحديثة".

      من الواضح أن ابن رشد عقلاني في الإسلام حيث أصدر في سنة 1998"" في طبعتين متتاليتين في باريس كتاب المفكر الفرنسي روجيه ارنالديز: "ابن رشد عقلاني في الإسلام". وهو ليس كتابه الأول عن ابن رشد، فقد سبق له أن خصه بثلاثة فصول في كتابه الذي أصدره عام 1987 بعنوان "جوانب من الفكر الإسلامي".

       إن هذا المفكر ينحو في مؤلفاته وأعماله منحىً دينياً حتى إنه تحدث عن ابن رشد في هذا الكتاب تحت عنوان "فكر ابن رشد الديني" إلا أنه رغم ذلك، ومع أنه عده مفكراً دينياً، فلم يستطع إلا أن يؤكد الطابع العقلاني لابن رشد، وهو يذهب أبعد من ذلك فيرى أن المعجزة الإسلامية، كما تتجلى في القرآن الكريم، إنما هي في الأصل ذات طبيعة دينية.

       وكما يلاحظ الأستاذ جورج طرابيشي فإن روجيه ارنالديز لا يتردد في أن يتبنى لحسابه الفكرة التي يذهب إليها عدد من مفسِّري القرآن، وهي تلاحظ أن مفهوم المعجزة كان لابد أن يتطور مع تطور الأجيال والعقليات. "ففي زمن موسى كانت السيادة للسحر، ومن ثم كان لابد أن تأتي معجزات موسى متفوقة على معجزات السحرة. وفي زمن عيسى كان الطب قد أصاب تطوراً . ومن ثم، كان لابد للمسيح أن يظهر القدرة على شفاء المرضى وبعث الموتى. أما في زمن الرسالة المحمدية، فكان ما أصاب تطوراً هو العقل نفسه، ومن ثم كان "إعجاز القرآن" هو المعجزة الوحيدة التي تقدر على انتزاع اقتناع الإنسان  العاقل"[66].

       وليس العقلاني الوحيد في الوقت الذي لم يرد ارنالديز في كتابه الجديد، بحال من الأحوال، أن يقول إن ابن رشد فيلسوف قرطبة الكبيرة هو العقلاني الوحيد في الإسلام، فإنه من جانب آخر أظهر دوره في بعث الأرسطية الخالصة أولا،ً وتخليصها ثانيا مما لحق بها من خلط، بينها وبين الأفلاطونية المحدثة، على أيدي "فلاسفة ملة الإسلام". من أمثال الفارابي وابن سينا. وشدد ارنالديز على الصلابة والتماسك في شخصية ابن رشد وحياته، فإن ابن رشد فقيهاً مالكياً، هو ذاته ابن رشد طبيباً، وهو عينه ابن رشد فيلسوفاً أرسطياً، وهو نفسه المتكلم الذي تصدى لنقد المتكلمين باسم توافق المعقول والمنقول.

       ولا جدل في أن نشر كتاب ابن رشد الذي يلخص فيه سياسة أفلاطون، يساهم في إكمال جوانب الصورة المختلفة للفيلسوف القرطبي الذي كانت السياسة بين اهتماماته وشردته أكثر من مرة وجعلته يدفع ثمنا غالياً لاعتقاده وممارساته. وبصرف النظر عن أنه المرجع الوحيد لدراسة أفكار ابن رشد السياسية، فإنه يجمع بين الفكر السياسي النظري وبين النقد الصريح للممارسات السياسية عند العرب ولاسيما عرب الأندلس ويعطي

السياسة بعداً واقعياً. ومن جانب آخر فإن ابن رشد يجمع هنا بين فكر أرسطو ومفاهيم الإسلام. وربما كان هذا هو العمل الوحيد الذي نقله ابن رشد عن أفلاطون، وهو المتخصص بأرسطو. على أنه أشار إلى أن كتاب أرسطو ليس موفوراً بين يديه.

       يعتبر إبن رشد أخصب كتاب العربية. فكتب في الفقه والأصول واللغة والطب والفلسفة والفلك. وحين كتب أبو حامد الغزالي "تهافت الفلاسفة" يريد أن يشكك بمقولات الفلاسفة، ويبطل آراءهم في الإلهيات ويزعزع ثقة الناس فيهم، بغية إثبات قصور العقل البشري عن الوصول إلى الحقيقة في الأمور الإلهية، وأن يبين أن بلوغ الحق في هذا المجال، ووضع اليد على اليقين، لا يتمان عن طريق الحجج العقلية والاستدلال المنطقي، بل يكونان بالكشف الإلهامي، وبنور يقذفه لله في القلب، حينئذ تصدى ابن رشد للرد عليه في كتاب "تهافت التهافت" وبيَّن ما في رأي الغزالي من سفسطة تقوم على الأقاويل الجدلية والخطابية.

       يقول الدكتور الترمانيني "تناول ابن رشد المسائل التي هي محل نزاع بين الفلاسفة والمتكلمين وبسط القول فيها، مبيناً أن آراء الفلاسفة لا تخالف الشرع إلا ظاهرا،ً وأنهم من أجل ذلك لا يستحقون أن يقول لويج رينالدي في بحث عنوانه "المدينة العربية في الغرب" :"ومن فضل العرب علينا أنهم هم الذين عرفونا بكثير من فلاسفة اليونان. وكانت لهم الأيدي البيضاء على النهضة الفلسفية عند المسيحيين. وكان الفيلسوف ابن رشد أكبر مترجم وشارح لنظريات أرسطو. ولذلك كان له مقام جليل عند المسلمين والمسيحيين على السواء. وقد قرأ الفيلسوف ورجل الدين النصراني المشهور توماس الأكويني، نظريات أرسطو بشرح العلامة ابن رشد.  ولا ننسى أن ابن رشد هذا مبتدع مذهب "الفكر الحر". وهو الذي كان يتعشق الفلسفة، ويهيم بالعلم، ويدين بهما. وكان يعلمهما لتلاميذه بشغف وولع شديدين، وهو الذي قال عند موته كلمته المأثورة: تموت روحي بموتِ الفلسفة".

تأثير ابن رشد في الفكر الغربي:

       انتشار الفلسفة الرشدية في أوروبا قبل انتشار فلسفة ابن رشد في أوروبا كانت الفلسفة فيها عبارة عن تعاليم لاهوتية مجموعة من عدة كتب مختلفة مما كتبه أصحاب المذاهب اللاتينية. فلما دخلت فلسفة العرب إلى أوروبا حصلت أوروبا على فلسفة أرسطو في مجمل دائرة المعارف القديمة . وعلى العكس من العالم الإسلامي أسرعت البلاد الأوروبية منذ أوائل القرن الثالث الميلادي إلى اقتباس فلسفة ابن رشد، فاندفع الكثيرون إلى ترجمة مؤلفاته، وانصرف آخرون إلى دراستها والتعليق عليها سواء كان ذلك لمهاجمتها أو الدفاع عنها، و يعود الفضل إلى إعادة الكتب العربية إلى اللاتينية إلى كل من :

 الاكليريوس وفلسفة ابن رشد: لما نفذت فلسفة العرب إلى أوروبا وانتشرت بين أيدي الناس في الكليات والمدارس والمكاتب والجمعيات وذلك قبل بلوغ فلسفة ابن رشد فيها أوج النفوذ والسلطان اشتغل الإكليروس الأوروبي بمقاومتها لأنّ أصولها مخالفة لقواعد الأديان الموجودة.. الرشدية والقديس توما كان القديس توما أعظم فلاسفة اللاهوت في العصور المتوسطة.  وكان أكبر خصوم فلسفة ابن رشد.

        ومهما كان الأمر فقد درس توما الأكيوني مؤلفات ابن رشد واتبع طريقته في تفسير كتب أرسطو وتأثر بتعاليمه، فكان ، كما قال رينان "أكبر تلميذ وأخطر خصم لابن رشد في وقت واحد"[67].

       كما إ شتهرت رسالة سيجر دو برابانت التي خصصها للرد على خصوم ابن رشد، وكانت تحت عنوان: "ضد ذنيك الرجلين المشهورين في الفلسفة : ألبرت وتوما "والتي جاء فيها أنّهما يفسران الفيلسوف (ويعني أرسطو) تفسيراً خاطئاً، وإنّ ابن رشد على العكس هو الذي جاء بالتفسير الصحيح. وقد تجلى هذا الأثر في باريس بعد ذلك بشكل واضح. فإنّ مدرسة السوربون فيها كانت مدرسة لاهوتية تعلم تعاليم القديس توما. ولكن كلية باريس كانت على خلاف ذلك. فإنّ كثيرين من أساتذة الفنون فيها كانوا من أنصار مذهب ابن رشد. وقد وجد في هذا العصر من آثار هذه الكلية تسعة دفاتر محتوية على   تعاليم هذا الفيلسوف كانت تدرس في القرنين الثالث عشر والرابع عشر[68].

 

خاتمة:

      كان الهدف الأول من هذا البحث هو إظهار القيمة الحقيقية لابن رشد، وفكره الذي مثل مجالا فسيحا للبحث في مختلف المسائل الشائكة ، التي شدت الغرب، و الشرق علي السواء.

ورغم ما قيل عنه انه زنديق ملحد ، لا يمكن إنكار انه بحث في مختلف كتبه عن السعادة والفضائل النظرية والعملية التي تؤدي إليها ، فكان رجل عقل جعل كمال الإنسان في عقله، وكان رجل عقل دين جعل الشرائع الدينية الفضائل العملية فكان من اقوي مفكري العرب، وأعمقهم نظرا وأبعدهم أفقا ،فكان بحق فيلسوف العرب الأول .

      ومن هنا يمكننا القول انه رغم اختلاف الأوربيين تقييم ابن رشد، و رغم إدخاله في أساطيرهم، ورغم وضعه تحت إقدامهم أحيانا ، إلا انه يظل مفكرا و الشارح عظيما لكتب اليونان ، وتظل شهرته من شهرة أرسطو، ذلك لان أرسطو نفسه لم يشغل العقل الأوربي كما شغله ابن رشد، وحتى و إن أنكرت بعض الدراسات الرشدية أن يكون ابن رشد أعظم الفلاسفة أثرا في التفكير الأوربي، فإنها لن تستطيع إنكار اثر أرسطو في العقل الأوربي .

      فما نرجوه من المفكرين العرب، هو إعادة النظر في فلسفة الأخلاق عند ابن رشد ،وجعلها في مكان تضاهى مكانتها عند الغرب ، وجعلها خطوة أساسية في استنبات رشديه عربية إسلامية قادرة علي العطاء التجديد.

      فإذا أحدثت فلسفة ابن رشد الأخلاقية التي ارتبطت ارتباطا وثيقا بالنفس و قوامها ،وكل ذلك علي أسس معرفية نجد جذورها في الفلسفة الأرسطية. فهل يمكن أن يحدث نفس الشيء للفكر العربي الإسلامي المعاصر؟ وما يمكننا أن نختم به هو نداء إلي كل مفكر عربي إلي إعادة النظر وإعلاء تراثنا الفكري الزاخر والجعل من ابن رشد خطوة هامة أعطت الكثير.

 

 

 

 

قائمة المصادر والمراجع:

·       القرآن الكريم

·       أبو الوليد ابن رشد، فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة في الاتصال ، ط 2، دار المعارف، القاهرة، 1119 م.

·       أحمد عطية الله، القاموس الاسلامي، مج 1، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1963.

·       ابن رشد، تلخيص كتاب النفس، تحقيق وتقديم فؤاد الاهوائي، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1950.

·       ابن رشد، رسالة ابن رشد السماع الطبيعي، ط 1، مطبعة دار المعارف العثمانية، 1947م.

·       ابن رشد، رسالة تهافت التهافت، تحقيق سلييمان دنيا، دار المعارف، مصر، 1969.

·       ابن رشد، رسالة في النفس، ط 1، مطبعة جمعية دار المعارف العثمانية، حيدر اباد الدكن، 1947.

·       ابن رشد، مناهج الادلة في عقائد الملة، تحقيق وتقديم محمود قاسم، مطبعة الانجلو مصرية، القاهرة، 1955.

·       ابن مسكويه، تهذيب الأخلاق، منشورات دار الحياة، بيروت، 1961.

·       ارسطو طاليس، الاخلاق، ط 1، ترجمة اسحاق بن حنين، تحقيق وتقديم عبد الرحمان بدوي، وكالة المطبوعاﯩت، الكويت 1979.

·       ارسطو طاليس، الاخلاق، ط 1، ترجمة اسحاق بن حنين، تحقيق وتقديم عبد الرحمان بدوي، وكالة المطبوعاﯩت، الكويت 1979.

·       ارسطو طاليس، علم الاخلاق الى نيقوماخوس ،ج 1، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1969.

·       ارنست رينان، ابن رشد والرشدية، ترجمة عادل زعيتر، دار احياء الكتب العربية، القاهرة، 1957.

·       جميل صليبا، تاريخ الفلسفة العربية، دار الكتاب اللبناني، بيروت، لبنان، 1986.

·       عبد الحي محمد قبيل، المذاهب الأخلاقية في الإسلام  (الواجبالسعادة)، دار الثقافة للنشر و التوزيع، القاهرة، 1984.

·       عبد الرحمان التليلي، ابن رشد الفيلسوف العالم، المنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم، تونس، 1992.

·       عادل العوا، القيمة الأخلاقية، د. ط، مطبعة دمشق، 1960.

·        فوضيل بومالة، نقطة انطلاق الاخلاق في فكر ابن رشد، مجلة فصيلة في الفكر، العلوم والاستشراق، دار مارينو، الجزائر، 1998.

·        ماجد فخري، الفكر الأخلاقي العربي، دار الأهلة للنشر والتوزيع، بيروت،. 1978

·        ماجد فخري، فلسفة ابن رشد الاخلاقية، مؤتمر ابن رشد، ج 1، الشركة الجزائرية للنشر و التوزيع، الجزائر 1978.

·       محمد عبد الرحيم الزيني، مشكلة الفيض عند فلاسفة الاسلام، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1993.

·        محمد علي الصابوني، صفوة التفاسير، ج 2، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، الجزائر، 1990.

·       محمود قاسم، في النفس والعقل لفلاسفة الاغريق والاسلام، ط 3، مطبعة الانجلو مصرية، القاهرة، 1963.

·       ناجي التكريتي، فلسفة الأخلاق عند مفكري الإسلام، د ط ، دار الدجلة، عمان، 2012.

·       هنا غانم، نقطة انطلاق الأخلاق في فكر ابن رشد، مؤتمر فيلسوف من الشرق والغرب في الذكرى المنوية الثامنة لوفاته، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، المجمع الثقافي، تونس، 1999.



[1] - ابن رشد، رسالة ابن رشد السماع الطبيعي، ط 1، مطبعة دار المعارف العثمانية، 1947م، ص 3.

[2] -  أبو الوليد ابن رشد، فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة في الاتصال ، ط 2، دار المعارف، القاهرة، 1119 م، ص 11- 12.

[3] - نفسه، ص 12- 13.

[4] - عادل العوا، القيمة الأخلاقية، د. ط، مطبعة دمشق، 1960، ص 12.

[5] - أحمد عطية الله، القاموس الاسلامي، مج 1، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1963، ص 48.

[6] - ابن مسكويه، تهذيب الأخلاق، منشورات دار الحياة، بيروت، 1961، ص 63.

[7] - تحقيق عبد الرحمان بدوي، ابن رشد تلخيص الخطابة، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1960، ص 199.

[8] - ابن رشد، رسالة في النفس، ط 1، مطبعة جمعية دار المعارف العثمانية، حيدر اباد الدكن، 1947، ص 10.

[9] - محمود قاسم، في النفس والعقل لفلاسفة الاغريق والاسلام، ط 3، مطبعة الانجلو مصرية، القاهرة، 1963، ص 112.

[10] - سورة الإسراء، الآية 85.

[11] - محمد علي الصابوني، صفوة التفاسير، مج 2، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، الجزائر، 1990، ص 173.

[12] - ناجي التكريتي، فلسفة الأخلاق عند مفكري الإسلام، د ط ، دار الدجلة، عمان، 2012، ص، 99- 100.

[13] - ابن رشد، رسالة النفس، ص 11.

[14] - ماجد فخري، ابن رشد فيلسوف قرطبة، ص 95.

[15] - ابن رشد، رسالة في النفس، ص 19- 23.

[16] - ابن رشد، رسالة في النفس، ص 60.

[17] - ابن رشد، رسالة تهافت التهافت، تحقيق سلييمان دنيا، دار المعارف، مصر، 1969، ص 819.

[18] - ابن رشد، رسالة في النفس، ص 65.

[19] - ابن رشد، رسالة في النفس، ص 68.

[20] - نفسه، 69.

[21] - نفسه، 71.

[22] - جميل صليبا، تاريخ الفلسفة العربية، دار الكتاب اللبناني، بيروت، لبنان، 1986، ص 495.

[23] - ابن رشد، رسالة في النفس، ص 27.

[24] - نفسه، ص 79.

[25] -  ابن رشد، رسالة في النفس، ص 71- 72.

[26] - نفسه، ص 73.

[27] - ابن رشد، رسالة تهافت التهافت، تحقيق سليمان دنيا، ص 567.

[28] - ابن رشد، رسالة في النفس، ص 74.

[29] - ابن رشد، رسالة في النفس، ص 75.

[30] - محمد عبد الرحيم الزيني، مشكلة الفيض عند فلاسفة الاسلام، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1993، ص 126.

[31] - عبد الرحمان التليلي، ابن رشد الفيلسوف العالم، المنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم، تونس، 1992.

[32] -  ابن رشد، تلخيص كتاب النفس، تحقيق وتقديم د فؤاد الاهوائي، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1950 ، ص60.

[33] - ابن رشد، تلخيص الخطابة، مرجع سابق، ص 7.

[34] - ارسطو طاليس، الاخلاق، ط 1، ترجمة اسحاق بن حنين، تحقيق وتقديم عبد الرحمان بدوي، وكالة المطبوعاﯩت، الكويت 1979 ، ص92-93.

[35] - ماجد فخري، فلسفة ابن رشد الاخلاقية، مؤتمر ابن رشد، ج 1، الشركة الجزائرية للنشر و التوزيع، الجزائر، 1978 ، ص202.

[36] - ابن رشد، تلخيص الخطابة، مرجع سابق، ص 72.

[37] - نفسه، ص 73.

[38] - ماجد فخري، الفكر الأخلاقي العربي، دار الأهلة للنشر والتوزيع، بيروت، 1978 ، ص 9.

[39] - ابن رشد، تلخيص الخطابة، مرجع سابق، ص 73.

[40] - نفسه، ص74.

[41] - ارسطو طاليس، الاخلاق، ص 272.

[42] - سورة الإسراء، الآية 29.

[43] - ارسطو طاليس، علم الاخلاق الى نيقوماخوس ،ج 1، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1969 ، ص 128.

[44] - ابن رشد، مناهج الادلة في عقائد الملة، تحقيق وتقديم محمود قاسم، مطبعة الانجلو مصرية، القاهرة، 1955 ، ص240.

[45] - نفسه، ص 241.

[46] - سورة الذاريات، الآية 56.

[47] - محمد علي الصابوني، صفوة التفاسير، ج 2، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، الجزائر، 1990 ، ص 252.

[48] - عبد الحي محمد قبيل، المذاهب الأخلاقية في الإسلام  (الواجب السعادة)، دار الثقافة للنشر و التوزيع، القاهرة، 1984 ، ص 270.

[49] - -2 ابن رشد، مناهج الادلة في عقائد الملة، ص 240.

[50] - نفسه، 242-243.

[51] - سورة الزمر، الآية 56.

[52] - محمد علي الصابوني، صفوة التفاسير، مرجع سابق، ص 350.

[53] - فوضيل بومالة، نقطة انطلاق الاخلاق في فكر ابن رشد، مجلة فصيلة في الفكر، العلوم والاستشراق، دار مارينو، الجزائر، 1998 ، ص 126.

[54] - ارنست رينان، ابن رشد والرشدية، ترجمة عادل زعيتر، دار احياء الكتب العربية، القاهرة، 1957 ، ص 156.

[55] - عبد الحي محمد قبيل، المذاهب الاخلاقية في الاسلام، ص 300.

[56] -  فرح انطوان، ابن رشد وفلسفته، نشر جامعة الاسكندرية، مصر 1953، ص 45.

[57] - نفسه، ص 46.

[58] - عبد الحي محمد قبيل، المذاهب الأخلاقية في الاسلام، مرجع سابق،  ص 301.

[59] - ابن رشد، مناهج الأدلة في عقائد الملة، مصدر سابق، ص  241.

[60] - ابن رشد، فصل المقال، ص 31-32.

[61] - ابن رشد، فصل المقال، ص 33.

[62] - ماجد فخري، ابن رشد فيلسوف قرطبة، ص 37.

[63] - هنا غانم، نقطة انطلاق الأخلاق في فكر ابن رشد، مؤتمر فيلسوف من الشرق والغرب في الذكرى المنوية الثامنة لوفاته، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، المجمع الثقافي، تونس، 1999،  ص 341.

[64] - نفسه، ص 342.

[65] - علي عقلة عرسان، مجلة التراث العربي، ص 9.

[66] - علي عقلة عرسان، مجلة التراث العربي، ص 10.

[67] - ارنست رينان، ابن رشد والرشدية، د ط، القاهرة 1957، ص 248.

[68] - فرح أنطون، ابن رشد وفلسفته، ص 92.


تعليقات