التعريف بالإمام
الغزالي
اسمه ونسبه:
محمد بن محمد بن
محمد بن أحمد الطوسي الغزالي، الطوسي نسبة إلى طوس، إحدى مدن خراسان، والغزالي
نسبة إلى غزل الصوف إذ هي صنعة أبيه.
مولده ونشأته:
ولد الإمام الغزالي في طوس سنة (405ه)،
وقبل وفاة أبيه أوصى به وبأخيه إلى صديق له، فقام بتعليمه وتربيته وأرسله إلى
مدرسة ليتحصل على العلم، ثم ارتحل لطلب العلم، فذهب إلى جرجان، ومكث مدة ثم عاد
إلى طوس ومنها إلى نيسابور حيث لازم إمام الحرمين الجويني، فاستفاد من علمه، فبرع
في المذهب الشافعي، وفي فن الخلاف والجدل والمنطق والفلسفة.
استمر في نيسابور مقيماً مع إمام الحرمين
مدة قاربت عشر سنوات، وقد بدأ في التأليف فألف المنخول.
ثم خرج من نيسابور، وقد بلغ الثانية
والعشرين بعد وفاة إمام الحرمين، فتوجه إلى المعسكر حيث كان يقيم نظام الملك
الوزير، الذي أسس مدارس في أماكن شتى، فاختار نظام الملك الإمام الغزالي، ليكون
مدرساً في المدرسة النظامية ببغداد.
قام الإمام الغزالي بالتدريس في بغداد،
فأذيع صيته، وبدأ طلاب العلم يتوافدون إليه، وأكبّ على التدريس.
وفي بغداد درس الفلسفة، فاطلع على كتب ابن
سينا والفارابي ثم قام بالتأليف والرد عليهم، كما أنّه قام بالرد على الباطنية
والمناوئين لأهل السنة.
ثم إنّ حياة الإمام الغزالي تحوّلت، فوقع
في نفسه الاعتزال، وكف النفس، فارتحل عن بغداد إلى بلاد الشام طالباً العزلة
والتجافي عن الدنيا لعدة أسباب.
دخل بلاد الشام وأقام فيها سنتين، اهتم
بالمجاهدة وتزكية النفس والأخلاق، وقد اعتكف في مسجد دمشق، ثم ارتحل إلى بيت
المقدس، ثم قصد المدينة المنورة فمكة المكرمة لأداء فريضة الحج، ثم عاد إلى طوس مبتغياً
العزلة والانكفاف.
وفي طوس حضر إليه نظام الملك، وألح عليه
الذهاب إلى نيسابور للتدريس، فقام بالتدريس مدة يسيرة، وعمل على نشر العلم وقام
بالرد على الخصوم.
عاد الإمام الغزالي إلى طوس، واتخذ إلى
جانب داره مدرسة للفقهاء ومكاناً لإقامة الصوفية.
وكانت خاتمة أمره إقباله على حديث المصطفى
صلى الله عليه وسلم ومنها الصحيحان[1].
وفاته:
بعد حياة حافلة بالعديد من
الرحلات العلمية، قرر الغزالي الرجوع إلى مسقط رأسه طوس واتخذ إلى جانب داره مدرسة
للفقهاء وخانقاه للصوفية، ووزع أوقاته على وظائف جليلة منها قراءة القرآن ومجالسة
أرباب القلوب والتدريس وإدامة الصلاة والصيام واستمر على هذه الحال حتى وفاته يوم
الاثنين14/ جمادى الأخر سنة 505ه[2].
مؤلفاته:
تعددت مؤلفات الغزالي وتنوعت
مصنفاته وأهم هذه المؤلفات:
1- إحياء علوم الدين:
هو كتاب عجيب يشتمل على
علوم كثيرة من الشرعيات غير أنه يوجد به الكثير من الأحاديث الموضوعة.
2- المستصفى:
يعد المستصفى من أمهات كتب
الأصول التي اعتمد عليها الأصوليون في مصنفاتهم ولا يكاد يوجد كتاب في أصول الفقه
إلا وتجد المستصفى من أهم المصادر التي رجع إليها المؤلف.
3- المنخول:
يعد هذا الكتاب من أهم كتب
الغزالي في أصول الفقه وقد قيل: إن الإمام الجويني إمام الحرمين شيخ الغزالي لما
رأى المنخول قال للغزالي: ((دفنتني وأنا حي، فهلا صبرت الآن فقد غطى كتابك على
كتابي))[3].
4- المنقذ من الضلال:
واسمه المنقذ من الضلال
والموصل إلى ذي العزة والجلال ألفه في نيسابور وهو مختصر في غاية العلوم وأسرارها
والمذاهب وأغوارها.
5- البسيط والوسيط والوجيز
والخلاصة:
وهذه الأربعة كتب فقهية
وقد قال بعضهم في هذه الكتب الأربعة:
هذب
المذهب حبر * أحسن الله خلاصه
ببسيط
ووسيط * ووجيز وخلاصة
وله مصنفات أخرى منها
إلجام العوام عن علم الكلام، ومقاصد الفلسفة وجواهر القرآن ومعيار العلم، وشرح
الأسماء الحسنى والقسطاس المستقيم وغيرها.
وقد بلغت مصنفات الغزالي من الكثرة
والتنوع والأهمية ونالت من الشهرة إلى درجة أن بعض العلماء أفردها بمصنفات خاصة
بها مثل ((مؤلفات الغزالي)) لعبد الرحمان بدوي والذي ذكر أن للغزالي العديد من
الكتب منها 73 كتاباً مقطوع بصحة نسبتها إليه فضلا عن كتب كثيرة أخرى اختلف في
نسبتها إليه[4].
حياته العلمية
1- يرى الدكتور سليمان دنيا بأن الطور الأول في حياة
الغزالي كان الشك:
دخل الغزالي شكه بفحص
الأدلة اليقينية ليصل إلى العلم الحق في نظره، ولم يجد نمطاً عاليا من الوثاقة
والقوة إلا في العقل والحواس فقط فطرح ما عداها، ثم انتقل إلى شك أشد إذ لم يطمئن
قلبه إلى العقل والحواس، فأخذ يشكك فيها ويمتحنها، فأخرج دليل الحس من اليقين لما
يرى من محسوسات لا يمكن معرفتها (كالظل، ومقدار حجم الكوكب) فلم يبق له إلا العقل،
وشك فيه أيضاً.
وهنا يقول الغزالي:
"فلما خطرت لي هذه الخواطر، وانقدحت في النفس، حاولت لذلك علاجاً فلم يتيسر،
إذ لم يمكن دفعه إلا بالدليل، ولم يكن نصب دليل إلا من تركيب العلوم الأولية، فإذا
لم تكن مسلمة لم يمكن تركيب الدليل، فأعضل الداء. ودام قريباً من شهرين أنا فيهما
على مذهب السفسطة بحكم الحال لا بحكم النطق والمقال"
وهذه هي أزمة الشك العنيفة
التي تصور الدور الثاني لشكه، وفيها كان الغزالي لا يؤمن بشيء أصلاً، فلم يصح له
دليل ولا مدلول.
ومن هنا بدأ البحث عن
الفرقة الحقّة.
فنرى الغزالي بعد هذا
يقول: "ولما شفاني الله من هذا المرض انحصرت أصناف الطالبين عندي- يعني للحق-
في أربع فرق:
1. المتكلمون وهم يدعون
أنهم أهل الرأي والنظر.
2. الباطنية وهم يزعمون
أنهم أصحاب التعليم، والمخصوصون بالاقتباس من الإمام المعصوم.
3. الفلاسفة وهم يزعمون
أنهم أهل المنطق والبرهان.
4. الصوفية وهم يدعون أنهم
خواص الحضرة، وأهل المشاهدة والمكاشفة"[5].
فكان الشك هو طوره الأول ثم:
2- ثم إني ابتدأت بعلم الكلام فحصلته، وطالعت كتب
المحققين منهم، وصنفت فيه ما أريد أن أصنف، فصادفته علماً وافياً بمقصوده، غير
وافٍ بمقصودي"
وفي عام 473ه، رحل الغزالي إلى الجويني في نيسابور
وكان أشهر تلاميذه، واتصل بعد وفاة الجويني سنة 478ه بنظام الملك وناظر العلماء
وبهرهم، فولاه نظام الملك التدريس في نظامية بغداد فقدم إليها سنة 484ه، فدرس فيها
وألف في علم الكلام وتأييد وجهة نظره ورد على الفرق المناوئة له.
فكان منهج المتكلمين ومذهبهم هو الطور الثالث له
بعد شكه مرتين.
3- ثم ولى
الغزالي وجهته بعد ذلك شطر الفلاسفة، وسرعان ما أدرك أن مزاولة العقل لمهمة
العقيدة الغيبية إقحام له فيما لا طاقة له به، وأن أسلوب العقل في تفهم الأمور
الرياضية، لا يمكن أن تخضع له المسائل الإلهية، لكنه لم يلغ العقل تماماً في بحث
الحقائق، ثم ألف في نقدهم وتفنيد آرائهم.
4- ثم وجه الغزالي نفسه
شطر التعليمية الباطنية الذين يزعمون أخذ قضايا الدين اليقينية من الإمام المعصوم
الذي يتلقى عن الله بواسطة النبي، ثم تبين له أنهم مخدوعون بالإمام المزعوم
وتعاليمه، إذ لا حقيقة له في الأعيان،
فعاد أدراجه وكر راجعاً، بعد ما ألف كتباً ضدهم أوجعهم فيها نقداً وتفنيداً كما يقول هو.
5- ثم أخذ يعيش صراعاً
باطنياً بينه وبين نفسه ما أدى إلى عزوفه عما هو فيه وميله إلى العزلة والتصوف،
فرحل سنة 488ه عن بغداد- وترك أخاه أحمد يتولى التدريس مكانه- وخرج هائماً على
وجهه في الصحاري والقفار، ذاهباً مرة إلى الشام، وأخرى إلى الحجاز، وثالثة إلى
مصر.
كل ذلك فراراً بنفسه من
الناس، وجرياً وراء الخلوة، تطبيقاً لما أشار به عليه الصوفية وكانت الصوفية ضالته
المنشودة من بين الفرق فألف في نصرتها وتأييدها، وصنف في علومها وأحوالها كتباً
عدة، وعاد إلى بلده طوس حيث بنى بجوار بيته مدرسة وخانقاه للصوفية، وأقبل على علوم
الآخرة والحديث حتى توفي سنة 505ه[6].
[1] - المستصفى من علم الأصول، الإمام الغزالي أبي حامد محمد بن محمد
الغزالي الطوسي، 1/ 7- 8.
[2] - مقاصد الشريعة الإسلامية عند الإمام الغزالي، الكيلاني
أحميد صالح، ص: 50، الجماهيرية العربية الليبية.
[3] - مقاصد الشريعة الإسلامية عند
الإمام الغزالي، ص: 60- 61.
[4] - مقاصد الشريعة الإسلامية عند
الإمام الغزالي، ص: 61.
[5] - التأويل ومنهجه عند أبي حامد
الغزالي، إبراهيم بن حبيب بخاري، ص: 7- 8، وقفية الأمين غازي للفكر القرآني.
[6] - التأويل ومنهجه عند أبي حامد
الغزالي، ص: 8- 9.