أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

مفهوم وحدة الأمة في اللغة والتداول التاريخي

وحدة الأمة

 

مقدمة:

الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن كفؤا أحد والصلاة والسلام على أشرف المرسلين المبعوث رحمة للعالمين ومصلحا لشؤون الدنيا والدين، وعلى أله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد.

فإن وحدة الأمة وتماسكها، مطلب شرعي، بل فريضة تابثة وواجب من ألزم الواجب، قال تعالى:{ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}[سورة ال عمران، الآية 103]، ولا نكون أمة إلا إذا كنا جماعة مؤتلفة على منهج وطريق واحد، والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا مما يدل على أن وحدة الأمة عقيدة ومنهاجا، أمر واجب لازم لا خيار للمسلم في تركه وإهماله، وأن الفرقة والتفرق مدعاة للفشل في الدنيا والعذاب في الآخرة. إن وحدة الأمة هي الوسيلة الوحيدة للعز والنصر والتمكين، فلا قيام لها إلا بائتلافها ووحدتها، وبالتالي فلا تحقيق لأهداف الرسالة إلا بالوحدة والائتلاف والمعلوم أن للرسالة الإسلامية أهدافا عظيمة منها تبليغ الإسلام للناس كافة، واقامة الحجة لله على عباده وجعل الإسلام فوق الأديان كلها، والجهاد لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى كما قال تعالى:{ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُوله بِالْهُدَى وَدِين الْحَقّ لِيُظْهِرهُ عَلَى الدِّين كُلّه وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُ }[سورة التوبة، الآية 33].

هذه الأهداف يستحيل تحقيقها في ظل التحديات التي تعيشها الأمة الاسلامية من فرقة المسلمين وشتاتهم واختلافهم ومعلوم أيضا أن المختلفين هم في شقاق، وبلاء وقتال، والأمة المشغولة بنفسها التي يتنازع أبناؤها ويتفرقون شيعا وأحزابا فيكفر بعضهم بعضا، ويقتل بعضهم بعضا يستحيل أن تقوم لهم قائمة، أو يرتفع لهم علم. ولما كان أمر الوحدة الإسلامية، والأخوة الدينية فريضة شرعية وسبيلا لا غنى عنه لتحقيق شرع الله في الأرض، ومراده في عباده...

أصبح لازم علينا أن نسعى في سبيل تحصيل هذه الوحدة وتثبيت أركانها، وإقامة بناءها. ولاشك أن الواقع الحالي للأمة الإسلامية مغايرا تماما لهذا المطلب الشرعي فقد تفرقت بالمسلمين السبل منذ وقت طويل فأصبحت مناهجهم وسبلهم متفرقة متعددة وتمزق شملهم في دول مختلفة، ولا شك أن هذا الواقع الأليم هو الذي أفرز الذل والمهانة والفشل، وهو الذي أطمع في هذه الأمة أعداءها، وجعلهم يتمكنون من رقابها، ويذلونها بكل سبيل. ولاشك أنه لا يمكن الخروج من الواقع الحالي إلا بإعادة جمع كلمة الأمة من جديد، ولم شملها، وتوحيدها تحت راية واحدة وعلم واحد وإمام واحد حتى تعبر هذا النفق المظلم الذي زج بها إليه، وعندئذ فقط يمكن للأمة الإسلامية أن تلتجئ إلى الله طالبة منه عون العبد مادام العبد في عون نفسه وفي عون أخيه، وفي عون المجتمع الذي يعيش فيه انسجاما مع القانون القرآني الثابت:{ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ }[سورة الرعد، الآية 11].

ü  مفهوم الوحدة  في معاجم اللغة .

      الوحدة  من حيث سياقها اللغوي فقد جاءت عند ابن فارس:" (وَحَدَ) الواو والحاء والدال: أصل واحد يدل على الإنفراد، ومن ذلك الوحدة، وهو واحد قبيلتيه إذا لم يكن فيهم مثله"[1]. قال الراغب الأصفهاني في المفردات: "الوحدة: الانفراد، والواحد في الحقيقة هو الشيء الذي لا جزء له ألبته، ثم يطلق على كل موجود حتى أنه ما من عدد إلا ويصح أن يوصف به فيقال عشرة واحدة، ومائة واحدة، وألف واحدة"[2].

      وأما في الاصطلاح يمكن ان يقال بأن هذا المفهوم شاسع ويختلف تعريفه باختلاف الوحدة المقصودة، ومجال هذه الوحدة، فعلى سبيل المثال، ثم تعريفه الوحدة الفكرية بأنها

ب"اشتراك مجموعة من الناس في طريقة النظر العقلي، بحيث تجمع بينهم خصائص وصفات موحدة في ذلك"[3]. والوحدة: "هي إتحاد الدول أو البلاد والأفراد والجماعات في سائر أمور حياتهم ومعاشهم وسيرتهم وغايتهم، وبموجب هذه الوحدة، يصبح الجميع شيئا واحدا، أو أمة واحدة، يقال: إتحاد البلدان، أي صار بلدا واحدا، واتحدت الأشياء، صارت شيئا واحدا، ويقال وحد المتعدد: أي صيره واحدا، واتحد به: أي صار منه شيئا واحدا"[4].

ومن هذا أخلص إلى أن الوحدة بشكل عام يمكن تعريفها بأنها هي مجموعة الخصائص والأهداف واتحاد الأفراد والجماعات في سائر أمور حياتهم، بموجب هذه الوحدة التي تجعل من المتبني لها مكونا واحدا.

ü   مفهوم الأمة في التداول التاريخي:

      الأمة مصطلح من المصطلحات التي ولدت بميلاد الرسالة الإسلامية، مثل مصطلح "الصلاة" و "الإيمان" و"الإسلام" و "الكفر" و"النفاق" وهكذا. و"الأمة تعني –لغويا- الجماعة من الناس التي تؤم جهة معينة.

وأما المعنى – الإصطلاحي- فقد تكررت الإشارة إليه في القران والحديث ليدل على معان عديدة أهمها:

المعنى الأول: ورد مصطلح "الأمة" ليدل على أن الأمة هي: إنسان + رسالة، و"الرسالة" هنا هي "المثل الأعلى"، يقدم النموذج الأمثل للجوانب الخيرة في سلوك الفرد والجماعة، ليأتم به الناس ويسعدوا، ويقدم  الصورة الشاملة للجوانب الشريرة، ليتجنبها الناس ويسلموا

من آثارها. ويشير القرآن الكريم إلى هذه الرسالة في مواضع عديدة باسم – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- وأما عن "الإنسان" فقد يكون فردا واحدا، مثل الإشارة إلى ابراهيم عليه السلام عند قوله تعالى: "إِنَّ اِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةَ قَانِتًا لِلهِ حَنِيفاً ولَمْ يَكُ مِنَ المُشْركِينْ"[5]. وقد يكون الإنسان جماعة من العلماء الدعاة، الذين يحملون رسالة إصلاحية، مثل قوله تعالى: "وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةُ يَهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ"[6]. وقد يكون الإنسان طائفة أو قبيلة لها معتقدها ونهجها، مثل قوله تعالى: "وَقَطَعْنَاهُمْ اِثْنَتَيْ عَشَرَةَ أَسْبَاطُا أُمَمًا"[7]. وقوله أيضا: " وَقَطَعْنَاهُمْ فِي الَأرْضِ أُمَمًا مِنْهُمْ الصَالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ"[8]. وقد يكون الإنسان جيلا له فكر واحد، ولون حضاري واحد، مثل قوله تعالى: "تِلْكَ أُمَّةُ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ"[9].

والمعنى الثاني: فقد ورد مصطلح أمة ليعني (منهاج حياة) وما يتضمنه هذا المنهاج من معتقدات وقيم وممارسات وتقاليد، مثل قوله تعالى: "إِنَّا وَجَدْنَا أَباَءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَ إِنَّا عَلَى اَثَارِهِمْ لَمُهْتَدُونَ"[10].

والمعنى الثالث: فقد ورد مصطلح (أمة) ليعني (فترة زمنية) مثل قوله تعالى:" وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهَا وَأَذْكُرَ بَعْدَ أُمَّةٍ"[11].

والمعنى الرابع : حيث ورد مصطلح (أمة) ليعني مجموعة من الناس لها مهنة واحدة، مثل قوله تعالى: "وَلمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةُ مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ"[12]. إلى غير ذلك من الآيات وهي كثيرة التي تكلمت على معنى الأمة.

إذن من خلال هذه الآيات المذكورة نستطيع أن نعرف الأمة بأنها مجموعة من الناس تحمل رسالة حضارية نافعة للإنسانية وتعيش طبقا لمبادئ هذه الرسالة، وتظل تحمل صفة "الأمة" مادامت تحمل هذه الصفات، أما حين تفقدها فقد يطلق عليها اسم "الأمة"، ولكنها لن تكون النموذج الاسلامي الكامل للأمة، كما يطلق اسم دين على أي دين و لكن الدين المقبول عند الله هو الإسلام"[13]. ويقول أحمد قائد الشعيبي "الأمة مجموعة من الأفراد متحدون تربطهم صلات مادية ومعنوية وتجمع بينهم الرغبة المشتركة في العيش معا"[14]. وقال سيد قطب: "الأمة" هي الجماعة التي تدين بعقيدة واحدة وتتجمع على روابطها، وتدين لقيادة واحدة قائمة على تلك العقيدة"[15].

      وخلاصة القول يمكن أن نخلص من خلال هذه التعريفات أن الأمة هي ما يلي:

·       الانسان ورسالة.

·       منهاج حياة.

·       فترة زمنية.

·       مجموعة من الناس لهم مهنة واحدة وعقيدة واحدة، ورغبة مشتركة في العيش معا.

·       أما مصطلح (وحدة الأمة) فيعني:" الإندماج والتوحد، وذلك على أساس الإسلام، الذي يربط عقديا بين البشر المؤمنين برسالته، فيلغي بذلك بينهم جميع أشكال الروابط الأخرى، من أصول عرقية ولغوية وغيرها، بحيث يصبح القاسم المشترك بين أفراد هذه الجماعة البشرية، هو الدخول في دين الإسلام، كعقيدة ونظام حياة. إن الوحدة الاسلامية تقوم أساسا على بناء شخصية المواطن المسلم، وتعميق إنتمائه للأمة الإسلامية"[16].

 



[1] -معجم مقاييس اللغة لابن فارس ن مادة "وحد".

-مفردات ألفاظ القران الكريم، للراغب الأصفهاني ، باب الواو.[2]

[3] -وحدة الأمة الاسلامية في السنة النبوية للدكتور أحمد عمر هاشم، بحث مقدم للملتقى الأول للعلماء المسلمين تحت عنوان "وحدة الأمة الاسلامية" في مكة المكرمة 1427ه، 2006م، ص:7.

- دور حرية الرأي في الوحدة الفكرية بين المسلمين لعبد المجيد النجار، ص29.[4]

-سورة النحل: الآية 120.[5]

-سورة الأعراف، الآية 159.[6]

-سورة الأعراف، الآية 160.[7]

سورة الأعراف، الآية 168.[8]

سورة البقرة، الآية 140.[9]

-سورة الزخرف، الآية 22.[10]

-سورة يوسف، الآية 45.[11]

-سورة القصص، الآية 23.[12]

-إخراج الأمة المسلمة وعوامل صحتها ومرضها، لماجد عرسان الكيلاني، ص:20 17-20.[13]

-وثيقة المدينة المضمون والدلالة لأحمد قائد الشعبي،ص:84.[14]

-التمكين للأمة الاسلامية في ضوء القران الكريم لمحمد السيد محمد يوسف،ص12. [15]

-وحدة الأمة الاسلامية في السنة النبوية دراسة موضوعية لأحمد منصور أبو عدة، ص21.[16]

تعليقات