أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

الاستقامة في القرآن الكريم


الاستقامة في القرآن الكريم

مدخل :

        الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأنزل القرآن تبيانا لكل شيء والصلاة والسلام على النبي الخاتم الذي كان من لوازم رسالته الخاتمة عقلا ونقلا صحة النص القرآني، وحفظه، وسلامة منهج النقل، حيث لا يمكن عقلا، ولا واقعا، أن يخاطب الناس ويكلفوا بنصوص منحولة أو محرفة وأن يترتب الثواب والعقاب على ذلك التكليف، لأنه يتنافى مع العدل المطلق لذلك فسلامة الخطاب يمكن أن يعتبر من لوازم الخاتمية ، وتوقف النبوات: الذي يعني توقف التصويب، وبيان مواطن التحريف والتبديل، كما أن من لوازم الرسالة الخاتمة: الخلود للنص القرآني والخلود للبيان النبوي أيضا ،والخلود بأبسط مدلولاته، هو التجرد عن حدود الزمان والمكان، وامتلاك أمة الرسالة الخاتمة القدرة والإمكان، على تجريد النص من أسباب نزوله، ومكان نزوله، وتوليد الأحكام والأفكار والرؤى القادرة على الاستجابة لمعالجة المشكلات المتجددة في كل عصر ومكان. وبعد، فلعل المتأمل للحالة الراهنة للأمة الإسلامية يجد أنها في أمس الحاجة إلى منهاج تربوي يعمل على تقويمها وإصلاحها، ليخرجها مما وقعت فيه من ضعف نفسي، وأزمات فكرية، وانحرافات أخلاقية وفساد اجتماعي، زلزلت كيانها وأدت الى تراجعها وتخلفها، والتربية حتما هي وسيلة ذلك الصلاة لأنها البوتقة التي ينصهر فيها الرجال الذين يقودون الإصلاح"[1]، فالمسلمون عندما أدركوا أن دينهم ليس مجرد مجموعة من الآيات والنصوص يترنمون بتلاوتها دون وعي أو تدبر، وأدركوا ذلك الدور التربوي لمنهج القرآن الكريم، وما يحويه من قيم ومبادئ وأبعاد تربوية عظيمة استطاعوا بتوجيهات القرآن والسنة النبوية أن يخرجوا رجالا عظماء عمالقة في الفكر والرأي في شتى المجالات، لأنهم التزموا صراط ربهم المستقيم ومنهجه القويم، يستقون من معينه، ويستضيؤون بنوره، وينهجون في التربية نهجه، وكلهم يقين بأن النصوص وحدها لا تصنع شيئا وأن المصحف وحده لا يعمل على صنع الرجال، وأن المبادئ وحدها لا تعيش إلا أن تكون سلوكا ملموسا"[2] لذلك نجحت التربية النبوية عندما صاغت من فكرة الإسلام شخوصا، وحولت إيمانهم بالإسلام عملا، وصنعت من الأفكار المجردة رجالا تلمسهم الأيدي، يطبقون الإسلام بالقول والفعل كما وصفهم ربهم جل وعلا في قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾[3]  فالاستقامة هي جوهر الإسلام وقوامه، لأنها تمثل الجانب التطبيقي للدين الإسلامي الحنيف فإن بعث هذه الأمة وإحيائها وإعادتها سيرتها الأولى بعد أن ضلت طريقها، لن يكون إلا بالتزام الاستقامة على منهج ربها، لتعود إلى مسارها الصحيح وطريقها القويم، وتحافظ على هويتها الإسلامية، ومفردات ثقافتها لاسيما وهذه الأمة تعايش زمان الانفجار المعرفي والتطور التكنولوجي، والعولمة والغزو الثقافي والفكري ومالها من آثار سلبية ، من خلخلة في عقيدة الأجيال المسلمة

و مبادئها وقيمها الإسلامية، تلك الأشياء التي تعد بحق عماد الأمه وقوتها الحقيقية، لذا كان من الضروري العودة لمفاهيم القرآن الكريم ودراستها، لاستنباط ما اشتملت عليه من أبعاد التربوية للأخذ بها والعمل على ترسيخها لدى المتعلمين ولاسيما مفهوم الاستقامة الداعي لاتباع المنهج الإسلامي القويم.

الاستقامة في القرآن الكريم

تعتبر الاستقامة من القيم الأساسية في الدين الإسلامي، وهي تعني الالتزام بالحق والثبات على الطريق المستقيم دون انحراف. الاستقامة تشمل الإيمان والعمل الصالح والتقوى في جميع جوانب الحياة. وقد جاء ذكر الاستقامة في القرآن الكريم في مواضع عديدة، مشدداً على أهميتها في حياة المسلم وأثرها على سلوكه وعلاقته بربه.

مفهوم الاستقامة في القرآن الكريم

الاستقامة في القرآن تعني السير على الصراط المستقيم، والالتزام بأوامر الله ونواهيه، والثبات على الدين في جميع الأحوال. يقول الله تعالى في سورة هود:

"فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ" (هود: 112).

وفي هذه الآية، يأمر الله النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالاستقامة على الدين كما أمره الله، وكذلك من تاب وآمن معه.

أهمية الاستقامة

الاستقامة تعني الثبات على الحق والتمسك بالدين والتقوى، وهي أساس النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة. يقول الله تعالى في سورة الأحقاف:

"إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" (الأحقاف: 13 ).

هذه الآية توضح أن الاستقامة تقود إلى الطمأنينة والنجاة من الخوف والحزن، وهو ما يطمح إليه كل إنسان.

نتائج الاستقامة

من نتائج الاستقامة في الحياة الدنيا تحقيق السعادة والرضا والتوفيق في الأعمال. وفي الآخرة، يعد الله المستقيمين بالجنة والنجاة من النار. يقول الله تعالى في سورة الجن:

"وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا" (الجن: 16 (.

وهذه الآية تشير إلى أن الاستقامة تجلب البركة والخير الوفير.

وسائل تحقيق الاستقامة

التقوى والخوف من الله: تقوى الله والخوف من عذابه تدفع الإنسان للتمسك بالاستقامة.

المحافظة على الصلاة: الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وتعين المسلم على الثبات على الحق.

الصحبة الصالحة: مصاحبة الصالحين تساعد المسلم على الالتزام بالطريق المستقيم.

العلم الشرعي: التعلم والتفقه في الدين يساعد المسلم على معرفة الحق والتمسك به.

 

الخاتمة

الاستقامة في القرآن الكريم تعني الالتزام بدين الله والثبات على الحق. وهي قيمة عظيمة تحقق للإنسان السعادة والنجاح في الدنيا والفلاح في الآخرة. المسلم مطالب بالتمسك بالاستقامة في كل أحواله، مستعينًا بالله ومتوكلًا عليه، محققًا بذلك رضا الله وجنته.



[1] ـ الدكتور جميل الأسمر ـ أستاذ بقسم اللغة الإنجليزية بجامعة الأزهر ـ غزة.

[2] ـ تربية الأولاد في الإسلام للدكتور عبد الله علوان، ص 7.

[3] ـ سورة الأحقاف الآية 13.

تعليقات