أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

المستشرقة الألمانية آنا ماري شيمل


المستشرقة الألمانية آنا ماري شيمل


تقديم

       يتمتع المستشرقون الألمان بسمعة طيبة، نظراً لأبحاثهم العميقة التي أدت في كثير من الحالات إلى إلقاء الضوء على التراث العربي، وتعريف العالم على دور الطليعة الذي كانت الأمة العربية قد لعبته خلال قرون طويلة. ومن المعروف أن أعمال المستشرقين الألمان ساهمت في إحياء علوم الفقه والنحو والأدب والفلسفة وغيرها من العلوم التي كان العرب يتعمقون في دراستها. يقول أحمد أمين: (وقد عرف الألمان بدقة البحث والصبر عليه والاستطاعة العجيبة في أن يؤلفوا بين أجزائه المتنافرة، وأن يصلوا منه إلى أدق النتائج وأعمقها).

       إن الاستشراق الألماني حافل بمؤشرات عدة تجعل منه قطاعاً متميزاً في منظومة الاستشراق الأوروبية، على الرغم من وجود اهتمامات مشتركة داخل هذه المنظومة. ويرى الدكتور إدوارد سعيد في كتابه الاستشراق أن (ما فعله الاستشراق الألماني هو أنه شذب ونقى وأحكم تقنيات كان مجال تطبيقها نصوصاً وأساطير وأفكاراً ولغات جمعتها من الشرق - بمعنى حرفي تقريباً - بريطانيا وفرنسا الإمبراطوريتان. لكن ما كان مشتركاً بين الاستشراق الألماني- والأنجلو- فرنسي- والأمريكي فيما بعد هو نمط من السلطة الفكرية على الشرق داخل الثقافة العربية والاستشراق).

ولا بد من التذكير هنا بأن هناك صفوة من المستشرقين الألمان قاموا بجهود ملموسة وعظيمة في مجال الدراسات العربية والإسلامية على مر العصور، وبات ما خلفوه للمكتبة العربية الإسلامية من آثار ومؤلفات: متناً وترجمة وتحقيقاً وتعليقاً ودرساً، هو مرآة صادقة تعكس هذا المجهود، كما أنها ساعدت أجيال الباحثين والدارسين في الاطلاع على معطيات الحضارة الإسلامية في جميع أنحاء العالم[1].

       تُعَدّ المستشرقة الألمانية آنا ماري شيمل من تلك الأسماء التي تعاملت مع التراث الإسلامي بجدّية ومصداقية، وخصوصاً من زاوية بحثها في التصوّف، الذي اتكأت عليه للحديث عن الحوار بين الأديان والحضارات[2].

       كما تعد آنا ماري شيمل نموذجًا للذين أحبوا بصدق الحضارة الإسلامية، ووقفوا على الإسهامات العظيمة التي قدمتها للإنسانية، وقدموا من خلال دراساتهم وأبحاثهم خدمات رائعة للإسلام، بل وقدم بعضهم تضحيات باهظة لأجل الثبات على مواقفهم.

       إنها عميدة الاستشراق الألماني بلا منازع، كما تتميز عن جل المستشرقين لقد نجحت في إدراك الكثير من الأهداف السامية التي عجز عن تحقيقها غالبية نظرائها.. مرده إلى الخلفية التي تعاملت بها المستشرقة الألمانية مع الحضارة الإسلامية التي درستها؛ فقد ارتكزت هذه الخلفية على الكثير من الحب والرغبة في اكتشاف الجوانب المضيئة فيها[3].

*   آنا ماري شيمل:

       ولدت آنا ماري شيمل بمدينة إيرفورت وسط ألمانيا في 7/3/1922 وتوفيت عن عمرٍ ناهز الثمانين عاماً في مدينة بون في كانون الثاني عام 2003، كان والدها في البريد، إذ عصفت بألمانيا حربان عالميتان كانت شيمل تعيش أجواء هاتين الحربين، ومع تلك النزعات العسكرية عاصرت شيمل كذلك فترة المد الشيوعي والقومية النازية التي كانت تُمجّد العرق النازي، بل استمرت الفلسفات المعاصرة بالظهور في ألمانيا، وماري شيمل تراقب تلك الأحداث وتعيشها عن كثب، لقد عاشت في عالم فيه التطرف والعرقية والقسوة والحروب والصراعات السياسية والعسكرية والفكرية، لقد عاصرت المدارس الوجودية والظاهراتية التي كانت تترى آنذاك، ولكن شيمل عزمت على تلقي الدروس الخاصة باللغة العربية واللغات السامية الأخرى على يد المستشرق الألماني الدكتور ريتشارد هارتمان.

       في الأول من نيسان عام 1945 حصلت شيمل على شهادة الدكتوراة، عن رسالتها (بنية الطبقة العسكرية في الحقبة الملوكية المتأخرة) وكانت بإشراف ريتشارد هارتمان وهنريتش سكيدر)، إذ بدأت العمل على تلك الرسالة منذ عام 1942. أي في قمة الصراع العسكري والفكري النازي وغيره. وناقشتها قبل سقوط الرايخ الثالث بعدة أسابيع مستغلة توقف القصف، ولكن علاقتها بمصر والشرق لم تكن عابرة إذ أنها كانت قد حصلت على الماجستير في عام 1941 وكان عمرها 19 سنة ورسالتها عن (القضاء والخلافة في مصر الفاطمية والمملوكية).

       درست شيمل تأريخ الفن الاسلامي على المستشرق إرنست كونل والدراسات التركية على يد (فون كابلين) وفي بدايات الخمسينيات تَعَرَّفَتْ على ابن خلدون فترجمت بعض فصول مقدمته الشهيرة وواصلت دراستها في الآداب العربية والتركية والفارسية، وحصلت على كرسي الأستاذية في قسم العلوم الإسلامية واللغات الشرقية في جامعة بون وخاصة الشعر الصوفي، وإن أول كتاب نُشرَ لها كان عن شعر جلال الدين الرومي (1207- 1273) الذي عشقته شيمل فزارت قبره أكثر من مائة مرة وترجمت أعماله وكتبت عنه مجموعة من البحوث والدراسات.

       حصلت شيمل على شهادة الدكتوراه ثانيةً سنة 1951 وكانت عن تأريخ الأديان وذلك في كلية اللاهوت بجامعة ماربرغ في (دراسات عن مصطلح الحب الصوفي في التصوف الإسلامي المبكر) وبإشراف المستشرق فردريك هايلر، وحصلت كذلك للمرة الثالثة على شهادة الدكتوراه عام 1952 في الفلسفة الإسلامية.

      أتقنت آنا ماري شيمل اللغات الشرقية (العربية والفارسية والتركية والأُردية والسندية ولغة البشتو والبنجاب) وكذلك اللغات الغربية (الإنجليزية والفرنسية واللاتينية والهولدنية) وفي ضوء هذه المعارف المتعددة واللغات المختلفة أصدرت شيمل أكثر من مائة كتاب، ثمانين منها من تأريخ الشرق والإسلام والتصوف والفكر والشعر وتُرجمت مجموعة من الكتب من لغاتٍ شرقية إلى غربية وبالعكس. وأعمالها عبارة عن قصة حب تعيشها وتكتب عنها وليست هي مُكرهةً عليها، فهي تعيش الشخصية والحالة التي تريد الكتابة عنها بل وتتشبع بها تماماً حتى لو كانت تكتب عن شيء لا يتَعلَّق بالفكر إذ يقول تلميذها بيرجل مثلاً (كانت شيمل تحب القطط وكنّا نراها عندما تغادر الجامعة في تركيا بعد انتهاء المحاضرة تنحني على الأرض لترفع إحدى القطط وتضمها إلى صدرها، بعد سنوات نشرت شيمل كتاباً بعنوان القطة الشرقية صدرت طبعته الأولى سنة 1983 والطبعة الثانية سنة 1989)[4].

*  مكانتها في العالم الإسلامي:

       أحبت آنا ماري شيمل الإسلام، واهتمت بثقافته، منذ كانت طفلة، كما عاشت في تركيا وباكستان ومناطق إسلامية أخرى ضمن عوائل إسلامية، وعرفت جوانب من الإسلام لم تكن معروفة بشكل جلي لدى الكثير من زملائها الباحثين. فكتبت عن الإسلام والمسلمين بروح الإنصاف وعمق الثقافة وأصالة التفكير، حريصة على أن تنظر إليه بعين العالم، وبالمنهج العلمي دون تحيز أو أحكام مسبقة. والإسلام عندها هو (ذلك الدين العميق ذو المعاني والقضايا، وهو أيضاً التوكل الإلهي والخصوصية الروحية، وأنا دائماً أتمثل مقولة المؤرخ دكيتر في كتابه معالم تاريخ الإنسانية: إن الإسلام ساد لأنه خير نظام اجتماعي وسياسي استطاعت الأيام أن تقدمه. وبالتالي فأنا أدعو المسلمين لأن ينشئوا لديهم ما يمكن أن يسمى دراسات الغرب المتخصصة عن دياناته وعقائده وأفكاره وتاريخه القديم والحديث وأوضاعه المعاصرة، حتى تصبح لديهم أدوات المواجهة والفهم وحتى لا تسحقهم موجات التغريب التي تكتسح دول العالم على اختلاف وضعيتها من أنماط التقدم التكنولوجي).

       تميزت شيمل بالحياد والنزاهة والموضوعية والتوازن، وبإنصافها للإسلام وتعاطفها مع الشعوب الإسلامية، فأقامت الجسور المتينة بين ثقافتها الألمانية والثقافة الإسلامية، وهي في كتبها تدعو إلى التسامح وفهم الآخر، والتعامل معه بندية واحترام، وتعتقد أن الإسلام هو السبيل الوحيد الذي سيرشدنا إلى الخلاص ويهدينا إلى ينابيع الحقيقة، لأن التاريخ يعلمنا حقيقة بسيطة وهي أننا قادرون على أن نتجاوز المصاعب والكوارث إذا ما نحن تعلقنا بالمبادئ الروحية والإنسانية، غير أن أغلب الناس تناسوا الآن مع الأسف الشديد مثل هذه الحقيقة البسيطة وهذا شيء خطير. كانت تلقي بشباكها وهي محملة بصورة التسامح الإسلامي في بحر الكراهية الذي صنعه الغرب تجاه الحضارة الإسلامية، وترفض أي شكل من أشكال التطرف، كما ترفض بشدة الحملة المشوهة التي تشنها وسائل الإعلام ضد الإسلام وتقول: (يجب ألا ننسى أن كثيراً من الحركات التي نطلع من خلالها على الإسلام لا علاقة لها بالإسلام، بل هي حركات ذات علاقة بالسلطة السياسية، أكثر من الفكر الديني.. فهل نحكم على المسيحية من خلال الإرهاب الإيرلندي؟ وسراييفو ألم يعش فيها المسلمون والمسيحيون الرومان واليونانيون مئات الأعوام في وحدة وطنية وسلام؟ أليس قاتلو المسلمين في سراييفو أصوليين متطرفين؟ لقد تعودنا الآن -بكل أسى- أن ننظر من جهة واحدة تجاه الإسلام. إن مشكلتنا الكبيرة في الغرب هي عدم معرفتنا مدى العلاقة الوثيقة التي تربط الدين بالحياة، وعدم تصور وجود حياة لدى المسلم بدون دين، بحيث نعتقد أن ثقافتنا اللادينية هي حضارة مثالية، وننسى أن الإنسان مؤمن بأعماقه وروحه. ونظراً إلى أننا فقدنا في الغرب إيماننا منذ عهد بعيد، فإنه يصعب علينا جداً تفهم الإسلام وحمله المحمل الذي يستحقه). 

       إنها رمز للتسامح الذي نجح في بناء الجسور بين الإسلام والغرب. إن قضية التشهير بالإسلام والمسلمين هي قضية ذات جذور وعمق تاريخي ومغزى عميق عبر عنها الكثير من المستشرقين والساسة. وكان على رأسهم الإنجليزي (غلادستون) الذي قال: (ما بقي هذا القرآن يتلى فلن تستطيع أوروبا أن تسيطر على المشرق، بل لن تستطيع أن تعيش في مأمن) وغيره الكثير كان آخرهم الأمريكي (هنتجتون) صاحب فكرة صدام الحضارات.

وأخيراً نقول إنها ذكرت أوروبا بالتسامح الإسلامي، وأعلنت أن الإسلام هو دين الحوار، ويجب إيجاد طريق للحوار بين الغرب والعالم الإسلامي. انطلقت في حياتها دارسة للحضارات الأخرى في فترة كانت النازية لا ترى غير الألمان[5].

      لم يحظ أحد من المستشرقين بتقدير العالم الإسلامي مثلما حظيت آنا ماري شيمل وهو ما حدا إلى تكريمها والاحتفاء بها أينما حلت في عواصم عالمنا العربي والإسلامي، فكانت تمنح أرفع الأوسمة والجوائز والنياشين، في أنقرة، الرياض، القاهرة، لاهور، طهران.

ومرجع هذا التقدير والاحتفاء دعوتها التي كانت ترددها بلا كلل للتسامح ودعمها المتواصل للتبادل والتفاهم بين الأديان، لقد كانت آنا ماري شيمل تمثل جسراً هاماً بين الثقافة الإسلامية والحضارة العربية بصفة عامة[6]

*  آثارها العلمية والفكرية:

       لقد كتبت شيمل كثيراً من الأبحاث والكتب والمؤلفات بلغات مختلفة، ومعظمها حول التصوف الإسلامي، والتاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية. ففي المذهب الصوفي كتب "الأبعاد الصوفية للإسلام" عام 1974م باللغة الإنجليزية ثم ظهرت ترجمته الألمانية عام 1985م، ثم نقل هذا الكتاب إلى اللغة العربية محمد إسماعيل السيد، ورضا حامد قطب، وطبع أول مرة في عام 2006م، هذا الكتاب عن التاريخ التصوف يعنى عناية كبرى بالجانب الفني في التصوف الإسلامي وتعبيراته الغنية في الشعر. المسيح ومريم في التصوف الإسلامي: باللغة الألمانية ثم نقلتها إلى الإنجليزية. و"الوردة العندليب" الذي يتناول الأشعار الصوفية التركية والفرنسية، وكتاب "الشمس الظافرة" عام 1978م عن جلال الدين الرومي، وغيرها من الكتب والأبحاث في التصوف الإسلامي. وتعبراً عن إعجابها بالشاعر والمفكر الهندي الكبير أنها ترجمت بعض كتب العلامة محمد إقبال إلى اللغة الألمانية والتركية. من أهمها جناح جبريل، الخلود، وما إلى ذلك... وفي عام 1985 صدر أهم كتبها "محمد رسول الله" بالألمانية والإنجليزية الذي عبرت فيه بصدق عن تقديرها للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وما أثار وسائل الإعلام الألمانية ضدها، فردت عليها بكلمات حازمة "نعم ! إني أحبه"[7].

       لقد ارتكزت الخلفية الفكرية التي تعاملت بها آنا ماري مع الحضارة الإسلامية على الكثير من المحبة والرغبة في اكتشاف الجوانب المضيئة في هذه الحضارة، تقول آنا ماري:

"لقد جذبني عالم الشرق منذ كنت طفلة وبدأت تعلم اللغة العربية وعمري خمسة عشر عاماً وسأظل أحب العالم العربي والإسلامي حتى وفاتي"

ومما عمق من شعبية آنا ماري بين العرب والمسلمين، عزوفها عن الأدلجة والتسييس وهو شرك وقع فيه كثير من الدارسين الغربيين وهو بالضبط سر معارضة الغربيين لها إلا أنها بالرغم من ذلك، لم تكف عن تكرار دعوتها الشهيرة (التقابل لا المواجهة).

وعن حياتها المتأرجحة بين الشرق والغرب، كتبت شيمل:

"لا أنتمي تماماً إلى هذا العالم (العالم الغربي)، فأنا أعيش في الشرق أكثر مما أعيش في وطني".

لقد كانت تعيش في بيتها محاطة بالكتب الإسلامية والسجاد الفارسي والخطوط  واللوحات العربية وقد قرأت وهي في السابعة من عمرها حكاية عن يتيم في دمشق فاكتشفت منذ ذلك الحين حنينها الخفي نحو الشرق.

إن تاريخ حياتها الزاخر بالكتب والمقالات والترجمات، يكشف بالفعل عن نشاط لا ينتمي إلى عالمها الغربي، ولا أحد يعرف سر هذا النشاط ولا كيفية توفيرها الوقت اللازم لكتابة كل هذا القدر من الأمور والمسائل المعقدة وهي التي تقضي نصف أوقاتها في السفر والترحال[8].

*   أثرها في الدراسات الاستشراقية:

       عرف عن شيمل أنها من أكثر المستشرقين الأمان دراية بالإسلام، فضلاً عن كونها قد ساهمت دون أدنى مبالغة في حدوث نقلة نوعية في مدرسة الاستشراق الألمانية، ومن أهم سمات هذه النقلة:

-       الانفتاح بموضوعية وإيجابية على الثقافة الإسلامية.

-        إدراك أهمية الحوار الحضاري والتواصل الفكري مع الآخر.

-        التطلع إلى التصوف كجسر بين الأديان والحضارات.

-       ارتباطها كمستشرقة بواقع دراساتها و أبحاثها بصورة عملية مباشرة.

       لقد كان الاستشراق الألماني حتى تلك الآونة التي غادرت فيها شيمل إلي تركيا، فيلولوجي الطابع، ضعيف الصلة بالواقع، فالمستشرق الألماني "تيودور نولدكة" على سبيل المثال (1836- 1930م) كان متميزاً في اللغات الشرقية وآدابها إلا أنه لم يتجاوز في رحلاته مدية فيينا، لذا فإن ذهاب شيمل على الشرق واندماجها في ثقافته، كان استثناء وليس القاعدة، ففي تركيا لم تتعلم شيمل التركية لتقرأ بها فحسب بل غدت التركية لها كأنها لغة أم.

ومما يذكر لشيمل ويحسب لها كإضافة هامة في مجال الدراسات الاستشراقية، تأسيسها مع "فريدرك هايلر" المؤتمر العالمي لمؤرخي الأديان عام 1960م، وحين انتقلت شيمل عام 1976م إلى هارفارد وغدت أستاذة للغات الهندية الإسلامية indo- muslim، أنجزت كتابات ودراسات ضافية عن الأبعاد الصوفية في الإسلام، إضافة إلى اهتمامها بشخصيات كبرى في عالم التصوف من أمثال: حافظ الشيرازي، جلال الدين الرومي، الحلاج وكذلك شخصيات من العصر الحديث.

       ولم يقتصر اهتمام شيمل على القديم فحسب بل طوفت دراساتها وأبحاثها بكافة العصور الإسلامية من الماضي إلى الحاضر. يقول الدكتور مصطفى ماهر أستاذ اللغة الألمانية وآدابها بكلية الألسن في مقاله عنها بمجلة الهلال (عدد ديسمبر 1995م ص 112: 119)

"فهي إذن مشغولة بآداب الأمم الإسلامية التي تتقن من لغاتها: العربية والتركية والفاريسية والأردو والسندي على الأقل، وقد نشرت في مجلة "فكر وفن" العديد من النماذج المترجمة عن الشعر العربي المعاصر (161 صفحة) يبدأ بدراسة مستفيضة ويضم نماذج من شعر نازك الملائكة، بدر شاكر السياب، عبد الوهاب البياتي، محمد الفيتوري، صلاح عبد الصبور أحمد عبد المعطي حجازي، فدوى طوقان، سميح قاسم، محمود درويش، نزار القباني، توفيق صايغ وأدونيس". ولقد اكتسبت التصوف والشعر الإسلامي في ضوء تحليلاتها أبعاداً جديدة مثلما اضفت ترجماتها مزيداً من الاهتمام باللغات الإسلامية عند الجمهور في أوربا وأمريكا.

ولقد شكل المستشرق والمترجم الألماني "فريدريك ريكهارت" Friedrick Roueckert لآنا ماري شيمل، مثلاً يحتذى وبخاصة عندما قام بترجمة معاني القرآن وبعض نماذج من الشعر العربي والفارسي إلى الألمانية وكان شعار ريكهارت "الشعر العالمي هو تسامح عالمي"

وقد تمكنت شيمل في ترجماتها من تقديم نصوص متميزة على المستويين الجمالي والمعرفي دون أن تخون الأصل[9].

*   من أقوال آنا ماري شيمل :     

       "إن الحضارة التي سارت على سنة تحية "السلام"، تمر اليوم بأطوار من الانغلاق والتصلب الفكري وتبريرية المواقف. وإننا نجد أنفسنا اليوم إلى حد كبير أمام مظاهر صراع سياسي بحت وأيديولوجيات تستغل الإسلام كشعار، وهي أبعد ما يكون عن أسس الدين وأصوله".

"إن طريقي ليس هو طريق التصريحات والبيانات، ولا هو طريق الإثارات والزوابع. إنني أؤمن أن الماء الصافي سوف ينتصر بحركته الدؤوبة على مر الزمن. إنني أتوجه مع رجاء العون من أجل خدمة السلام بالشكر أولاً وأخيراً، إلى من توجه إليه "جوته" في الديوان الشرقي بقوله:

 

لله المشرق.. لله المغرب

والأرض شمالاً

والأرض جنوباً

تسكن آمنة.. بين يديه.. هو العدل وحده

يريد الحق لعبده

من مائة اسم من أسمائه

تقدس اسمه هذا

آمين[10]

 

       فعصارة القول؛ تستحق البروفيسورة الألمانية الراحلة أنا ماري شيمل أكثر من الألقاب الأكاديمية بكثير، فهي صاحبة مشروع خضم وتجربة فريدة في مجال الاستشراق والتاريخ الإسلامي والتصوف الإسلامي. وهي من المستشرقين الأوروبيين القلائل في القرن العشرين الذين أرسوا قواعد صحيحة في الدراسات. فقد وهبت الرؤية الإستشراقية حقها، ونطقت بحقيقتها، بلا أدنى مغالطات أو تشويه. وبعيداً عن استيلاء الغرب على الحضارات الأخرى، كما هو سائد لدى العديد من المشتغلين في حقل الاستشراق، استطاعت هذه العالمة أن تكون نموذجاً راقياً وأن تؤلف عبر إبحارها المعرفي ما يفوق الثمانين كتاباً ومجلداً بلغات مختلفة.



[1] - مقال لمحمد القاضي، آنا ماري شيمل عميدة الاستشؤاق الألماني، الخميس 2015/03/09.

[2] - مقال إيمان عادل، آن ماري شيمل: حين توقّف التصوّف عن الكلام بالعربية، القاهرة - 20 أبريل 2016

 

 

 

[3] - مقال محمد سيف الإسلام بوفلاقة، آنا ماري شيمل عميدة الاستشراق الألماني، 2005-07-29.

[4] - حامد ناصر الظالمي، المستشرقة الألمانية آنا ماري شيمل وكتابها "وأن محمداً رسول الله"، مجلة دراسات استشراقية، العدد الخامس، صيف 2015م، ص: 24- 25- 26 .

[5] - http://www.arabicmagazine.com/Arabic/ArticleDetails.aspx?Id=4160

[6] - مقال لأحمد رشاد حسانين، آن ماري شيمل عميدة الاستشراق الألماني وصديقة الإسلام، الأحد، 2 سبتمبر 2012.

 

[7] - مقال لسيد محمد عمر فاروق، المستشرقة آنا ماري شيمل وعنايتها بالتاريخ الإسلامي في الهند، ثقافة الهند، المجلد 65، العدد 3، 2014، ص: 100.

[8] - مقال لأحمد رشاد حسانين، آن ماري شيمل عميدة الاستشراق الألماني وصديقة الإسلام، الأحد، 2 سبتمبر 2012.

[9] - مقال لأحمد رشاد حسانين، آن ماري شيمل عميدة الاستشراق الألماني وصديقة الإسلام، الأحد، 2 سبتمبر 2012.

 

[10] - مقال لأحمد رشاد حسانين، آن ماري شيمل عميدة الاستشراق الألماني وصديقة الإسلام، الأحد، 2 سبتمبر 2012.

 

تعليقات